*خبر وتحليل: عمار العركي: “المسيّرات الإماراتية تنطلق من صومالاند وبونتلاند: تهديد مزدوج لأمن السودان والقرن الإفريقي*

* حرب المسيّرات التي تشنّها المليشيا، وما صاحبها من تحليلات عديدة وتقارير صحفية تتناول سرديات مختلفة عن مصدرها ومنصّاتها، منها تقارير إعلامية وأمنية تشير إلى احتمال انطلاق طائرات مسيّرة إماراتية من قواعد في إقليم “صومالاند” الصومالي الانفصالي، أو من ميناء “بوصاصو” في إقليم “بونتلاند” شبه المستقل، تستهدف مواقع في السودان، خصوصًا بعد التضييق على الإمارات في بعض مناطق الساحل الغربي للبحر الأحمر.
* لا نستبعد هذه السردية، خاصةً أننا تناولنا في تحليلات سابقة إبان التقارب والاتفاق “الإثيوبي – الصومالاندي”، خطر الإقليم الصومالي الانفصالي “هرجيسا” أو “صومالاند” على السودان، وتهديده لمنطقة القرن الإفريقي بتحريض مباشر من الإمارات، بما يخدم مساعيها إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي وتوسيع حضورها في السودان وممرات البحر الأحمر. ويُضاف إلى ذلك الآن فرضية جديدة بشأن ميناء “بوصاصو” في بونتلاند، الذي يتمتع بموقع استراتيجي على خليج عدن، وارتبط في تقارير حديثة بعمليات إماراتية محتملة لنقل معدات عسكرية وتشغيل مسيرات هجومية.
رغم أن صومالاند وبونتلاند ليستا طرفين مباشرين في الحرب ، إلا أن علاقتهما الوثيقة بالإمارات، وسعي الأخيرة لاستخدام أراضيهما كمنصات خلفية للضغط الإقليمي، يجعلهما بيئتين خصبتين لتصدير تهديدات غير مباشرة ولكنها فعّالة تُسهم في إطالة أمد الحرب في السودان.
تمتلك الإمارات حضورًا لوجستيًا قويًا في ميناء “بربرة” بصومالاند، وأيضًا في “بوصاصو” ببونتلاند، إلى جانب قواعد عسكرية متاخمة لهما، ما يتيح لها استخدام هذه المنشآت لنقل معدات عسكرية وذخائر إلى قوات الدعم السريع، سواء عبر البحر أو من خلال مسارات جوية غير تقليدية. وتشير تقارير إلى وجود رحلات غير معلنة بين هذه الموانئ ومناطق حدودية في السودان، أو عبر دول مثل تشاد وليبيا، مما يعزز فرضية الدعم غير المباشر للمليشيا.
الموقع الجغرافي لكل من صومالاند وبونتلاند يُعد مثاليًا لتسهيل عمليات التهريب البحري التي تخدم مصالح المليشيا، مستفيدين من غياب الرقابة الدولية على كيانات غير معترف بها أو ذات سيادة ضعيفة، ويشمل ذلك تهريب الأسلحة والمقاتلين وتجاوز الرقابة على الحدود الرسمية للدول المجاورة.
تُستغل هذه الأقاليم كممرات آمنة لتهريب الذهب المنهوب من السودان وتوجيهه إلى شبكات تجارية ومالية تابعة للإمارات، مما يُعد مصدرًا لتمويل الحرب ويعزز من القدرة المالية للمليشيا على مواصلة القتال.
العلاقة الإماراتية الوثيقة مع كيانات شبه مستقلة مثل “صومالاند” و”بونتلاند” قد تُغري أبوظبي بدعم نماذج مشابهة في السودان، كالدفع نحو مشروع “إقليم دارفور المستقل” تحت سيطرة المليشيا، وهو نمط من الدعم يعزز ثقافة التشظي ويهدد وحدة السودان الترابية والسياسية.
تحظى الإمارات، عبر شركة موانئ دبي، بحق امتياز لتشغيل ميناء “بربرة” لمدة ثلاثين عامًا، ولها نفوذ متزايد في “بوصاصو”، ما يمنحها مواقع استراتيجية مطلة على باب المندب وخليج عدن ويعوّض خساراتها السابقة في موانئ جيبوتي. هذه السيطرة تتيح لها التحكم في حركة الشحن الإقليمي وتوظيف الموانئ لأغراض أمنية وعسكرية.
استثمرت الإمارات في بناء مدارج جوية ومنشآت عسكرية في بربرة وبوصاصو يُعتقد أنها مخصصة لتشغيل طائرات مسيّرة ومنظومات مراقبة متقدمة، ما يعزز قدرتها على التجسس والرصد الإقليمي ويمكنها من تتبع التحركات في السودان وإريتريا واليمن.
توفر الإمارات دعمًا ماليًا وسياسيًا لصومالاند وبونتلاند، مما يجعلها جهات فاعلة في توجيه القرار المحلي هناك، وتحويلهما إلى أدوات جيوسياسية تخدم مصالحها على حساب وحدة الصومال واستقرار القرن الإفريقي.
تستغل الإمارات هذه الكيانات لإضعاف الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وفي الوقت نفسه كأدوات للتدخل في السودان ودول أخرى، متجاوزة بذلك الأطر القانونية الدولية تحت ذرائع “دعم كيانات مستقلة” لم تحظَ باعتراف دولي.
من خلال هذه المناطق، تمتلك الإمارات القدرة على تهديد أو تعطيل خطوط الملاحة البحرية الحيوية، أو استخدامها كأدوات مساومة في الملفات الإقليمية. وفي حال توتر العلاقات مع دول مثل مصر أو السودان أو تركيا، قد تتحول إلى نقاط انطلاق لعمليات تجسسية أو عسكرية تستهدف مصالح تلك الدول.
*_ما يجب على السودان القيام به_ :*
* انطلاقًا من خطورة الدور الذي تلعبه صومالاند وبونتلاند في خدمة الأجندة الإماراتية ضد السودان، وتهديدهما غير المباشر لأمنه القومي، فإن السودان مطالب بالتحرك وفق رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين التحرك الدبلوماسي والأمني والإعلامي، على أن تشتمل التالي:
دعم الحكومة الفيدرالية في مقديشو في مساعيها لتثبيت وحدة الصومال ورفض محاولات الانفصال، من خلال موقف سوداني رسمي واضح يعلن رفضه الاعتراف بصومالاند أو بونتلاند ككيانات مستقلة، ويدعو إلى احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه، بما يشكل صفعة لأي دعم خارجي للنماذج الانفصالية.
يُعد تأسيس آلية تنسيق إقليمي لمراقبة النشاطات الإماراتية في صومالاند وبونتلاند ضرورة عاجلة، بما يشمل تبادل المعلومات حول التحركات اللوجستية والرحلات الجوية المشبوهة وطرق تهريب السلاح والذهب، مما يُمكّن من الكشف والتضييق على الشبكات العابرة للحدود التي تهدد السودان.
ينبغي تدشين حملة إعلامية استراتيجية تُظهر تورط الإمارات في دعم المليشيات بالسودان عبر هذه المناطق، مع التركيز على الجانب غير القانوني لهذا الدعم واستغلال كيانات غير معترف بها دوليًا، مما يُحرج أبوظبي أمام المجتمع الدولي ويُقلل من قدرتها على المناورة.
رفع معدلات التعاون الإقليمي في مراقبة الملاحة الجوية والبحرية العابرة من هذه الموانئ وتوثيق أي شحنات يُشتبه في كونها عسكرية، ما يسمح برفعها إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية كأدلة على خرق حظر التسليح أو دعم أطراف متمردة.
تسوية ملفي تعليق العضوية في الاتحاد الإفريقي، والانسحاب من الإيقاد، ثم الدفع نحو تبني موقف جماعي داخل المنظومتين، يرفض استغلال الكيانات الانفصالية في تمرير أجندات إقليمية، ويضع ضوابط ملزمة لأي تدخل خارجي.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
لم تعد صومالاند وبونتلاند مجرد شريكين صغيرين للإمارات، بل تحوّلتا إلى قواعد أمامية تمارس من خلالهما أبوظبي تدخلاتها في السودان بدعم المليشيا، وفي كامل منطقة القرن الإفريقي. وإن استمرار هذا الدور دون رقابة إقليمية أو دولية يعزز حالة اللااستقرار، ويُطيل من أمد الحرب في السودان، ويزيد من هشاشة أمن البحر الأحمر وتفجّره مستقبلًا.
المطلوب اليوم تحرك سياسي ودبلوماسي وأمني، يقوده السودان بالتنسيق مع مصر والصومال وإريتريا – وإلى حد كبير “جيبوتي” – للحد من التوظيف الإمار