خبر وتحليل – عمار العركي: *حيـن تعجـز الدولـة، تنتصـر الشعوب: السودان نموذجاً*

قبل اندلاع الحرب، وأثناء أزمة الفشقة مع إثيوبيا، حين استعاد الجيش السوداني أراضيه بعد غياب رضائي دام ربع قرن، ظهرت إلى السطح ما عُرفت بـ”المبادرة الإماراتية”. وقد عارضناها مبكرًا في سلسلة مقالات حملت عنوان: “الفشقة التي قصمت ظهر التغيير”، كشفنا فيها المستور وفضحنا النوايا الحقيقية الكامنة خلف المبادرة، في وقتٍ كان فيه مجرد نقد الإمارات يُعد خروجًا عن الأدب وإثارةً للفتنة مع دولة “شقيقة”.
خلاصة الرؤية – آنذاك – أن هزيمة المشروع الإماراتي ليست ممكنة عبر المسارات العسكرية أو السياسية، إقليميًا أو دوليًا، ولكنها تظل ممكنة شعبيًا. وقد دلّت على ذلك تجارب ملموسة حين طُردت أبوظبي من موانئ الصومال وجيبوتي وإريتريا، بفعل ضغوط مجتمعية أجبرت حكومات تلك الدول على إعادة النظر في علاقاتها مع الإمارات، بعد أن انكشفت طبيعة تغلغلها وأهدافه.
بدأ المشروع الإماراتي بواجهة استثمارية في الموانئ والبنى التحتية والطيران، لكنه ما لبث أن تكشّف عن طموحات أمنية واستخباراتية، وتحركات لبناء نفوذ جيوسياسي يتداخل فيه الاقتصاد مع الأمن المحلي والسيادة الوطنية. وعانت الشعوب من نتائجه: تهميش المجتمعات المحلية، إشعال النزاعات، وتحويل الموانئ إلى قواعد عسكرية مغلقة تخدم أجندات غير وطنية.
*أبرز التجارب الدالة على محدودية المشروع الإماراتي أمام الضغط الشعبي :*
*جيبوتي* : ألغت حكومتها عقد موانئ دبي في ميناء دوراليه، تحت ضغط مجتمعي حذّر من محاولات السيطرة وتغييب الفوائد المحلية.
*السنغال* : تراجعت أبوظبي عن مشروعها في ميناء داكار بعد حملات شعبية كشفت عن شبهات فساد وغياب المردود الوطني.
*أرض الصومال* ( *بربرة* ): واجهت الإمارات احتجاجات متصاعدة بسبب استثناء المجتمعات المحلية وتحويل الميناء إلى منصة عسكرية.
*إريتريا (عصب):* خُصّص الميناء لأغراض عسكرية بحتة دون التزامات تنموية، مما ولّد تململاً حتى داخل النظام الإريتري ذاته.
*وفي السودان* ، توحّدت مكونات شرق البلاد ضد محاولات الاختراق الإماراتي عبر وكلائها المحليين، من سياسيين ورجال أعمال. أدركت المجتمعات المحلية أن التغلغل الإماراتي لا يحمل لها سوى مزيد من التهميش والتفتيت، فقاومته، وكانت تلك المقاومة الشعبية سدًّا منيعًا أمام مشروع الهيمنة.
أما اليوم، فإن المشهد يعيد نفسه. فالسودان الرسمي – رغم امتلاكه لوسائل الردع – يفتقر إلى الأدوات الكفيلة باستئصال النفوذ الإماراتي جذريًا، لأسباب عدّة، أبرزها:
• *الحرب صُمّمت* باتحاد التدخلات الخارجية قامت بتوكيل وتوظيف “الإمارات” للقيام بمهام الوظيفة ، بخيث تمضي الحرب بلا منتصر أو مهزوم، وبما يطيل أمدها ويُرهق الجميع، تمهيدًا لفرض “حل” خارجي يُلزم الجميع برفع الراية البيضاء على طاولة منبر جدة.
• *المسارات الرسمية* مهما بلغت إرادة الدولة، تبقى محدودة الأثر، وقد تدفع الإمارات إلى مزيد من التصعيد والمناورة.
لذلك، تبقى المقاومة الشعبية الشاملة هي الردّ الحاسم، لاستكمال ما بدأته الكتائب الميدانية من دحر عسكري، بجهد دبلوماسي وقانوني وإعلامي يرتكز إلى الوعي الشعبي ويستفيد من التجارب الإقليمية التي أثبتت أن الشعوب، لا الحكومات، هي القادرة على وقف هذا المشروع.
ولنجاح المقاومة،
لا بد من.، تعبئة شعبية واعية ومنظمة.، مصحوية بإعلام مستقل وشفاف يفضح الانتهاكات ويوثق الوقائع. ، عبر نخب وطنية تتبنى مشروع مقاومة ناعمة، مدروسة ومتصاعدة.
*خلاصـة القـول ومنتهـاه:*
المعركة ليست ضد الإمارات كدولة، بل ضد مشروعها التوسعي الذي يستخدم المال والدعاية والاختراق الناعم للتغلغل في مفاصل القرار الوطني. هذا المشروع يزدهر في ظل ضعف الدولة وتواطؤ بعض النخب، لكن الشعوب تبقى الجهة الوحيدة القادرة على إفشاله، إذا ما توحّدت وتنظّمت وتسلّحت بالوعي.
والتجارب تقول: حين ينتبه الشعب، يُهزم النفوذ الخارجي. وحين تصحو الموانئ، تتراجع القواعد. وحين تُسقط الشعوب القناع، تنكشف الأجندات.