خبر وتحليل – عمار العركي *_بيان بونتلاند المرتبك و مسيّرات العدو الإماراتي_*

• في مقالي السابق بعنوان “بربرة وبوصاصو بعد أم جرس: حرب المسيّرات الإماراتية على السودان… إلى أين؟”، رجّحتُ انطلاق الطائرات المسيّرة التي ضربت السودان من إحدى منصّات ما يُعرف بـ”أشباه الدول” في القرن الإفريقي، وتحديدًا من ميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند شبه المستقلة، أو من ميناء بربرة في صومالاند المتمردة على الصومال الفيدرالي.
• الفرضية التي انطلقت من تحليل موضوعي لطبيعة الضربات، وتوقيتاتها، ومسارات الدعم اللوجستي الإماراتي في الإقليم، أثارت على ما يبدو رد فعل مباشرًا وغير معتاد من بونتلاند، تجسد في بيان رسمي أصدره وزير إعلامها محمد عيديد ديري، نفى فيه بشدة أي علاقة لبوصاصو بالهجمات على السودان، واعتبر الأمر “دعاية ملفقة”، محمّلاً تركيا وقطر وبعض وسائل الإعلام المسؤولية عن نشر هذه المزاعم، وفق وصفه.
• لكن بدلاً من أن ينفي البيان تلك المزاعم بشكل مهني رصين، جاء مربكًا ومرتبكًا، وانطوى على مؤشرات سياسية وأمنية عميقة تستدعي الوقوف عندها.
*_أولًا: لماذا ارتبك بيان بونتلاند_ ؟*
• جاء البيان متسرعًا، وكأن ولاية بونتلاند شعرت بأن الضوء قد سُلّط فجأة على أحد خطوط الإمداد السرّية التي تُستخدم في الحرب الإماراتية على السودان، بعد أن ظلّت هذه الخطوط تعمل في الخفاء، تحت غطاء النشاط التجاري البحري و”برامج التنمية” الممولة إماراتيًا.
• وهنا يبرز التحوّل المحوري في موقف السودان بإعلانه رسميًا أن دولة الإمارات باتت دولة عدوان، الأمر الذي يترتب عليه توسيع نطاق الأهداف المشروعة للرد، بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تُقرّ بحق الدفاع عن النفس في مواجهة أي اعتداء مسلح.
• وبالتالي، فإن أي ميناء، أو مطار، أو منشأة، أو منطقة انطلاق تُستخدم في هذا العدوان، تصبح هدفًا مشروعًا – سياسياً وقانونياً وعسكرياً – في عرف القانون الدولي، وهذا ما يجعل بيان بونتلاند المفاجئ نوعاً من محاولة “الوقاية السياسية المبكرة” قبل أن يُدرج اسم بوصاصو ضمن بنك الأهداف المحتملة.
*__ثانيًا: البيان كدليل على القلق لا النفي_*
• بيان الوزير الصومالي حمّل المسؤولية إلى أطراف ثالثة كـ تركيا وقطر، دون أي تقديم لأدلة مادية أو معلومات رسمية من سلطات الدفاع أو الموانئ أو الطيران. بل إن اللغة الإعلامية للبيان، واتهامه غير المباشر لـ”وسائل إعلام تخدم أجندات” كما قال، أعطت الانطباع بأن هناك محاولة لصرف الأنظار وخلط الأوراق، لا لنفي مدروس وموثق للتورط.
• هذا الأسلوب يذكّرنا بأساليب بيانات “التبرئة تحت الضغط”، التي تصدر من كيانات لا تملك القرار السيادي الكامل، أو التي تستفيد من دعم خارجي يُربك تموضعها الإقليمي ويُفقدها الحياد.
*_ثالثًا: الإمارات وموانئ أشباه الدول_*
• السؤال الجوهري الذي تفرضه هذه الحادثة هو: لماذا باتت الإمارات تفضّل العمل عبر الموانئ التابعة لكيانات غير مكتملة السيادة مثل بوصاصو وبربرة؟
الإجابة تكمن في أنها توفر لها: مساحات للمناورة دون مساءلة دولية مباشرة ، و مواقع جيوسياسية قريبة من السواحل اليمنية والسودانية اضافة الى شبكات تهريب واستخبارات معقّدة لا تخضع للرقابة الصومالية الكاملة.
*_خلاصــة الـقــول ومنتهـــاه* :_
• بيان وزير إعلام بونتلاند لا يُبعد الشبهة بل يُعمّقها، ويُثبت من حيث لا يدري أن هناك شعورًا بالقلق من أن تكشف السودان والعالم حقيقة البنية اللوجستية التي تُستخدم لضربه من الخارج.
• وإذا كانت الإمارات قد اختارت تحويل القرن الإفريقي إلى منصة خلفية لحربها ضد السودان، فإن السودان – وقد أعلن عدوانية الإمارات – بات يملك الأرضية القانونية والأمنية لمخاطبة كل الأطراف، بما فيها “أشباه الدول”، بوصفها جزءًا من مسرح العمليات.
• وستظل بوصاصو وبربرة وبقية المواقع التي تحتضن الوجود الإماراتي غير الرسمي تحت المجهر السياسي والقانوني … إلى أن تتوقف الحرب أو تُكشف الحقيقة كاملة.