صديق البادى : صفحـات من كتـاب تحت الطبـع

صفحـات من كتـاب تحت الطبـع
بقلم: صديق البادى
كتاب (تراكمات وخلفيات ومراجعات ويوميات أسوأ وأقذر حرب فى تاريخ السودان).. وهى حرب لم يشهد العالم مثيلاً لها فى السفالة والانحطاط ويتضمن الكتاب عدة فصول (نماذج لحروب محلية وأقليميه وعالمية فى شتى العهود ومختلف الحقئب.
والفصل الثانى بعنوان تراكمات وخلفيات ومراجعات وفتح صفحات فى كافة المجالات منذ الاستقلال وإرهاصات ما قبل الحرب والفصل الثالث عن يوميات الحرب بكل تفاصيلها البشعة ويتضمن صفحات بعنوان أسماء مرتبطة بالأحداث مع صفحات عن الأصابع والقوى الأجنبية التى تدير الحرب بسبب ما وجدته من الهوان والضعف والذلة والإنكسار للأجانب الذين أخذوا يحشرون أنوفهم فى كل شئ واستهانوا بالسيادة والعزه والكرامة الوطنيه وأخذوا يتصرفون كأنهم حكام أوصياء على السودان وشعبه فى سنوات الفترة الانتقالية.
والفصل الرابع بعنوان ثم ماذا بعد أن تنتهى هذه الحرب الانتقامية العبثية والوطن بحاجة لقيام مرحلة تأسيس جديدة للدولة السودانيه تقتضى أن يعكف الخبراء والمختصون فى كل المجالات من تلقاء أنفسهم وبلا تكليف رسمى لوضع تصورعملى فعلى متكامل لمرحلة سودان ما بعد الحرب مع ضرورة خلق علاقات متوازنة مع العالم ليس فيها شطط وروح عدوانية وليس فيها ضعف وذلة وإنكسار وعمالة وخير للعالم أن يتعامل مع الخبراء والعلماء لا العملاء ….. وأدناه صفحات مقتضبه من الكتاب فى فصل مراجعات:-
السودان كانت به تسع مديريات هى مديرية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم ومديرية كردفان وعاصمتها الأبيض ومديرية كسلا وعاصمتها كسلا والمديرية الشمالية وعاصمتها الدامر ومديرية دارفور وعاصمتها الفاشر ومديرية أعالى النيل وعاصمتها ملكال ومديرية بحر الغزال وعاصمتها واو والمديرية الاستوائية وعاصمتها جوبا وعلى رأس كل مديرية مدير هو المسؤول التنفيذي الأول فيها وهو مسؤول عن كل المجالس الريفية وكل المصالح الحكومية وكل مديرية بها مجلس مديرية بمثابة برلمان يضم أعضاءً منتخبين وعدداً من مديرى المصالح الحكومية المعينين أعضاءً فى مجلس المديرية بحكم مواقعهم الرسمية. والمجلس يضم لجاناً متخصصة…. والخدمية المدنية كانت راسخة قوية ومنضبطة ولصغر حجم مساحة مديرية الخرطوم بالنسبة لبقية المديريات كان مدير مديرية الخرطوم بعد السودنة فى درجة نائب مدير مديرية بالنسبة للمديريات الأخرى….. وبموجب قانون مارشال الذى أُجيز فى عام 1951م كان عدد المجالس الريفية والبلدية التى كونت فى كل أرجاء القطر أربعة وثمانين مجلساً وكل مجلس ريفى كان بمثابة حكومة محلية على رأسها مفتش الحكومة المحلية وله مساعد أو أكثر ويوجد مكتب للكتبة على رأسه باشكاتب وآخر للمحاسبين ويرأسهم رئيس الحسابات أو المراقب المالى وتوجد خزينة للمجلس يعمل فيها صراف ويقوم مفتش الحكومة المحلية بالوقوف على الايرادات والمنصرفات وما تحويه الخزينة من مال عند بدء العمل فى الصباح وعند إنتهاء ساعات العمل. ويوجد بالمجلس موظفون يتبعون فنياً لوزاراتهم مثل ضابط التعليم وضابط الصحة والمهندس أو ناظر الأشعال… الخ وهم جزء من الحكومة المحلية التى يرأسها مفتش الحكومة المحلية.
وتوجد بالمجلس نقطة شرطة. وكل مجلس ريفى أو مجلس بلدى به مجلس بمثابة برلمان مصغر يضم عدداً من الأعضاء المنتخبين وعدداً من الأعضاء المعينين (رؤساء الوحدات الحكومية بالمجلس) ويكون على رأسه رئيس منتخب من بينهم ونائبه مع وجود لجان مثل لجنة التعليم_ لجنة الصحة_ لجنة التخطيط_ اللجنة المالية….الخ
وكل التجار يفرض على كل واحد منهم رسمياً كتابة قائمة بأسعار كل السلع التى يبيعها وعليه وضعها فى مكان بارز بالدكان ومن يبيع بأكثر من السعر المكتوب المعلن فان المشترى اذا اشتكاه فانه يقدم لمحكمة الأسعار وأحكامها وعقوباتها سريعة ونافذة.
والمجالس الريفية كانت فيها جدية فى العمل وانصباط وأذكر من ذلك على سبيل المثال ان المدينة الريفية أو القرية الكبيرة التى توجد بها رئاسة المجلس يكون فيها ملاحظ صحة يمر دورياً على المنازل ويدخلها بعد الاستئذان من أولياء أمورها للوقوف على نظافتها ويقف حتى على نظافة أزيار المياه وكل شارع يعمل فى نظافته كناس يحمل مكنسة وقفة كبيرة لجمع الأوساخ والنفايات مع وجود رئيس للكناسين يمر عليهم ويقف على عملهم وفى نهاية اليوم يأتى سائق وابور بترلتها لحمل الأوساخ ورميها بعيداً وحرقها. وفى كل قرية من قرى المجلس الريفى يوجد كناس أو أكثر حسب عدد السكان وحجم ومساحة القرية وفى كل مجلس يوجد عدد من عمال الناموس الذين يصبون الزيت القاتل للناموس فى البرك وأماكن المياه الراكضة . وهذا مثال لكيفية تسيير العمل ينطبق على بقية المصالح الحكومية الأخرى ومن صلاحيات المجلس الريفى اختيار وتعيين الكتبة والمحاسبين الجدد ومعلمى المدارس المجلسية (الصغرى) بعد طرح إعلانات توضح المؤهلات المطلوبة وتحديد مرتباتهم المتعارف عليها عند بدء العمل ويفتح باب التقديم ويتم تعيين من يقع عليه الاختيار من بين المتقدمين. وكل مجلس ريفى يمثل حكومة محلية فعلية يرتبط بها المواطنون ارتباطاً مباشراً.
ونظام الحكم المحلى كان منضبطاً ويقوم على تسلسل هرمى (المجلس الريفى_ مجلس المنطقة الذى يضم عدة مجالس ريفية_ رئاسة المديرية _ وزارة الحكومات المحلية)… وفى عهد الحكم العسكرى النوفمبرى لم ينشغل أو يهتم الحكام العسكريون بالجانب السياسى ولم يفكروا فى اقامة حزب أو تنظيم سياسى وسعوا لملء الفراغ السياسى واستبدال الأنس والمناقشات السياسية بالتشجيع الكروى الرياضى. والأصح والأرجح أن نقول إن الحكام العسكريين فى العهد النوفمبرى أداروا السودان بدلاً عن القول إنهم حكموه.
وقد اعتمدوا فى تسيير شؤون البلاد والعباد على الخدمة المدنية التى كانت قوية راسخة وتركوا كل شئ كما كان لتتم الترقيات وفق لوائح وضوابط الخدمة المدنية مع منع أية تعيينات سياسية فى الخدمية المدنية. وفى إحدى المرات عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء اجتماعاً مشتركاً برئاسة الرئيس الفريق ابراهيم عبود وقرروا ترقية ثلاثة من مفتشى المراكز الجنوبيين ترقية استثنائية وترفيع درجة كل واحد منهم ليصبح مساعد مدير مديرية لأنهم رأوا أن عدد شاغلى الوظائف الإدارية الكبيرة من الجنوبيين بعد السودنة قليل ومن بين الثلاثة الذين تمت ترقيتهم ترقية استثنائية السيد كلمنت امبورو الذى أصبح فيما بعد وزيراً للداخلية فى حكومتى ثورة أكتوبر عام1964م الأولى والثانية…. وفى عهد الحكم العسكرى النوفمبرى تم تعيين حاكم عسكرى فى كل مديرية وبرتكولياً كان هو الأول فى المديرية وواجهة ورمز للنظام وكان هو المسؤول عن الدفاع والأمن ولكن ليس من اختصاصه التدخل فى العمل التنفيذى وتم الابقاء على كل مدير مديرية فى موقعه بكامل صلاحياته لممارسة كل المهام التنفيذية التى كان يؤديها قبل تعيين الحكام العسكريين دون أن يُنقص شيئاً وظل كل مدير مديرية هو المسؤول الأول عن المصالح الحكومية والمناطق الادارية والمجالس الريفية والبلدية والميزانية وادارة جلسات مجلس المديرية بكل لجانه والذى كان بمثابة برلمان للمديرية…. وفى العهد المايوى أجيز قانون الحكومات المحلية لعام 1971م وبموجبه قسمت المجالس الريفية وكان التبرير لهذا التقسيم هو تقصير الظل الاداري وجعل السلطة لصيقة أكثر بالمواطنين وقريبة منهم جغرافياً. وكل مجلس ريفى قسم لمجلسين أو ثلاثة مجالس وكل مجلس قائم بذاته ولعدة سنوات كانت تلك المجالس الجديدة بمثابة فروع من المجلس الذى تفرعت عنه وبالتدريج أصبح كل مجلس قائماً بذاته.
وتم تنشيط اللجان الشعبية الخدمية القاعدية وكانت المواد التموينية التى تأتى للمجالس الريفية توزع عبرها وكانت تحوى سلعاً ومواد ضرورية عديدة….. واهتمام المواطنين واللجان الشعبية كان منصباً على سلعة السكر وبالاتفاق والتراضى بينهم كانوا يرفعون قيمة سعر السكر المخفضة فى التموين ويجمعون الفرق فى السعر ويحولون حصيلته للارتقاء بالخدمات ودعمها من صيانة للمدارس ووابور المياه….الخ والمواد التموينية التى كانت توزع عبر اللجان الشعبية بالاضافة لما كان يوزع من السلع الضرورية عبر الحمعيات التعاونية التى كانت منتشرة فى أماكن العمل والسكن وتوزع بأسعار مخفضة معقولة لعبت دوراً كبيراً فى تخفيف الأعباء على المواطنين وساهمت فى استقرار الأسعار ومحاربة السوق الأسود… ومنذ البدايات الأولى لعهد الانقاذ تم إلغاء التموين وانهاء توزيع المواد التموينية عبر المجالس الريفية واللجان الشعبية بدعوى ان السوق أصبح حراً وأُهملت وأُضعفت وحُوربت الجمعيات التعاونية وتم ذلك تمهيداً لاتاحة المجال واخلاء الساحة لما عرفت بشركات الأمن الغذائى التى حلت محلها ولم تفيد المواطنين وأضحت الفائدة والمنفعة حكراً لشريحة محدودة لها علاقة وثيقة (بالتنظيم) الذى تنتمى اليه وأدى إلغاء التموين وإضعاف وإنهاء الدور المهم والكبير الذى كانت تؤديه الجمعيات التعاونية لارتفاع الأسعار وانتشار السوق الأسود…. ورغم ان العرض والطلب وزيادة المعروض من السلع وكثرتها يؤدى لانخفاض أسعارها إلا أن العكس قد حدث بزيادة وكثرة المعروض من السلع وارتفاع أسعارها.
وفى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى تم تقسيم الأقاليم لولايات . والأقليم الأوسط قسم لأربع ولايات هى ولاية الجزيرة وولاية سنار وولاية النيل الأزرق وولاية النيل الأبيض. وأقليم كردفان قسم لثلاث ولايات هى ولاية شمال كردفان وولاية غرب كردفان وولاية جنوب كردفان والاقليم الشرقى وزع لثلاث ولايات هى ولاية البحر الأحمر وولاية كسلا وولاية القضارف.
وأقليم دارفور وزع لخمس ولايات هى ولاية شمال دارفور وولاية جنوب دارفور وولاية شرق دارفور وولاية غرب دارفور وولاية وسط دارفور. وقسم الاقليم الشمالى لولايتين هما الولاية الشمالية وولاية نهر النيل وأضف لذلك ولاية الخرطوم التى كانت تحمل مسمى معتمدية الخرطوم .
ووزع كل أقليم من الأقاليم الجنوبية الثلاثة لعدة ولايات وتم تعيين ولاة فى كل ولايات السودان تعييناً سياسياً وكل منهم يرأس حكومة مكونة من عدد من الوزراء الولائيين مع تكوين مجلس تشريعى فى كل ولاية بالانتخاب مع تخصيص نسبة من عدد النواب يتم اختيارهم بالتعيين. وقسمت كل ولاية لعدة محافظات وعلى رأس كل محافظة يتم تعيين محافظ تعييناً سياسياً ومهام المحافظين عند بدايات عهد تعيينهم كانت أمنية وسياسية وتعبوية وكل محافظ يتم تعيينه يصبح تلقائياً هو رئيس حزب المؤتمر الوطنى بالمحافظة التى يعمل فيها ويقوم المدير التنفيذى للمحافظة ومساعدوه بتسيير العمل التنفيذى والادارى بالمحافظة.
وبسبب الموازنات والترضيات والكسب السياسى فإن المحافظات التى أصبحت تسمى
المعتمديات بلغ عددها المئات وفى دارفور الكبرى وحدها بلغ عددها حوالى تسعين محافظة (معتمدية) وعلى رأس كل منها معتمد يعتلى عربة فارهة يرفرف عليها علم السودان ومعه حرس وأحد العاملين فى المراسم التابعين لرئاسة الجمهورية يفتح له الباب عند ركوبه فى العربه أو عند نزوله منها وطغى النشاط السياسى على العمل الخدمى والتنموى المحلى وغير اسم المجالس الريفية فى كل أرجاء القطر وأصبحت تسمى الوحدات الإدارية وهى ضعيفة باهته لا يحس المواطنون بوجودها وبإختصار فإن الحكم المحلى قد إنهار كما انهارت الخدمة المدنية وهذا غيض من فيض ويجب العمل الجاد فى المرحلة القادمة التى تعقب انتهاء الحرب لإعادة الحكم المحلى سيرته الأولى وكذلك العمل على إعادة الخدمة المدنية سيرتها الأولى …. وفى الكتاب تناول تفصيلى لكافة المجالات .