سبنا شعبان تكتب:كلمة ونص :تحرير الحصاحيصا فرحة تملأ القلوب

سودان بلا حدود
اليوم أكتب كلماتي وقلبي يفيض فرحًا بتحرير الحصاحيصا، المدينة التي عانت ويلات الحرب والدمار، والتي شهدت لحظات من الرعب والخوف تحت وطأة الاحتلال. هذا النصر لم يكن مجرد استعادةٍ للأرض، بل كان استعادةً للكرامة، للأمل، وللحياة التي حاولوا أن يسلبوها منا.
لقد عشت تجربةً خاصة مع المعاناة في إحدى قرى الحصاحيصا، حين اجتاحت عناصر الميليشيا المتمردة منطقتنا، ناشرةً الهلع بين الأهالي. لا كلمات تكفي لوصف تلك الأيام التي خيم فيها الخوف على كل بيت، حين أصبح صوت الرصاص جزءًا من حياتنا، وحين انقلبت الطمأنينة إلى كابوس. عشنا الجوع، لا لندرة الطعام فقط، بل لأن الخروج من البيوت كان مغامرةً محفوفة بالموت.
وفي لحظة قاسية، لم يكن أمامنا خيار سوى الفرار. حملنا ما استطعنا من ذكريات وثقها لنا التأريخ في مدينة الحصاحيصا بعد نزوحنا من الخرطوم تاركين خلفنا منازلنا، ممتلكاتنا، وأحلامنا التي كنا نبنيها حجراً حجراً. خرجنا بحثًا عن الأمان، ولم نكن نعلم إن كنا سنعود يومًا أم أن الغربة ستصبح قدرنا.
واليوم، بعد كل هذا الألم، تتحرر الحصاحيصا التي احتضنت اعدادا كبيرة من نازحي الحرطوم وكانت قراها مأمن لهم.. تعود الحصاحيصا إلى أهلها، إلى قلوبهم التي لم تنفصل عنها يومًا. لكنها تعود جريحة، تحتاج إلى أن نعيد إليها نبضها الذي كاد أن يتوقف. هذه الفرحة ليست فقط باستعادة الأرض، بل باستعادة الحياة التي حاولوا إطفاءها.
وقد تجلَّت الوطنية الحقيقية في لحظة تاريخية، عندما وصل رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى المدينة ووجَّه خطابًا جماهيريًا أمام الحشود. كان هذا المشهد رمزًا للوحدة والقوة، حيث تفاعل المواطنون بروح وطنية صادقة، جسَّدت معاني الانتماء والوفاء للوطن. رأينا الفرحة في العيون، والهتافات تعلو بحب السودان، والتلاحم الشعبي يعكس إرادة صلبة نحو إعادة بناء ما دمرته الحرب.
التحرير ليس نهاية المطاف، بل بداية عهد جديد، عهد نبني فيه ما تهدم ونحافظ فيه علي ما حققنا من انتصارات، لنعيد فيه ترميم النفوس قبل الجدران. فالحصاحيصا تستحق أن تعود كما كانت، بل أقوى، وأجمل، وأكثر صمودًا مما كانت عليه يومًا.
مبروك للحصاحيصا.. مبروك لأهلها الصامدين.. والمجد للشهداء الذين لم يروا هذا اليوم لكن دماءهم كانت طريقًا إليه!