أعمدة
بشفافية – حيدر المكاشفي | الخدمة المدنية المنسية
افتقدنا أية اشارة للخدمة المدنية، اذ لم يرد لها ذكر لا في الاتفاق الاطاري ولا في مسودة الاتفاق النهائي، رغم حاجتها الملحة والعاجلة للاصلاح والتطوير، ولا ندري سببا لعدم تصويب أي جهد لهذا الملف عالي الأهمية، فتدهور وانحدار أداء الخدمة المدنية مما لا يحتاج لاثبات ولا يختلف حوله اثنان، خاصة بعد عملية التجريف والتجيير والتسييس التي شهدتها في عهد النظام البائد، ربما بأسوأ مما شهدته مؤسسات الدولة الاخرى، كنتيجة طبيعية لسياسات التمكين والصالح الحزبي الخاص، التي لم تقف عند الخدمة المدنية بل طالت (الخدمات) الأخرى أيضا، فأصبحت بذلك كل مؤسسات الدولة رهينة لدى حزب واحد، ليس ذلك فحسب، بل وضع الحزب السودان كله من أقصاه إلى أقصاه رهينة بين يديه، وجعل ما فيه ومن فيه مثل خادم الفكي كلهم مجبورون قسرا على خدمته، يسوقهم حيث ما شاء ويطبق عليهم ما يشاء بالقوة والقهر والجبروت حينا ولا يريهم إلا ما يرى، ولا يسمع إلا ما يطربه، وبالجزرة والإغراء والملاطفة حينا آخر، ولهذا يبقى المطلوب بالحاح العمل الجاد لاصلاح الخدمة المدنية وتطويرها وضمان قوميتها واستقلاليتها، وحيدتها وقبل ذلك بالطبع تحريرها من قبضة النظام البائد الذي احكم الخناق عليها..
ولعله من نافلة القول التنويه الى أن عملية انهاء الانقلاب واستعادة المسار المدني الديمقراطي وتكوين حكومة مدنية ذات مصداقية، ستتيح للبلاد فرصا واعدة للتنمية والتطور والتقدم وحلحلة أزماتها المزمنة، ولكن هذه الفرص الواعدة ستضيع هباء أن لم تبذل الحكومة القادمة وسع جهدها في الاستعداد الجيد للاستغلال الامثل لهذه الفرص، وذلك بانهاض الخدمة المدنية وانتشالها من عصر ما قبل الحداثة الذي وقفت عنده بفعل فاعلين، حتى تكون بعد ذلك مؤهلة ولو بالحد الأدنى لاستقبال عصر الحداثة ثم الولوج فيه، ويحضرني بهذه المناسبة مشروع اصلاح الخدمة المدنية الذي شرعت فيه حكومة حمدوك التي اطاحها الانقلاب فقطع الطريق على المشروع، حيث كانت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية تكفلت بتمويل مشروع الاصلاح في مرحلته الأولى بإعداد الدراسة والتقييم، وتقدمت (١٩) شركة عالمية بعطاءاتها لإعداد الدراسة والتقييم لنظام الخدمة المدنية الحالية في السودان وبإشراف مباشر من وزارة شؤون مجلس الوزراء علي إجراءات فرز وتقييم ودراسة عطاءات الشركات المتقدمة، وكان أن تم اختيار (٣) شركات من المتقدمين بأفضلية عطاءاتها، ومن ثم تم اختيار الشركة الفائزة بأفضل عطاء وهي شركة Price Waterhouse Coopers (PWC) حيث وقعت معها الوكالة الامريكية للتنمية الدولية عقدا لإجراء الدراسة والتقييم لجهاز الخدمة المدنية،
ولكن الانقلاب (يقطع سنينه) قطع الطريق على المشروع، كما قطع الطريق على حزمة من المساعدات والقروض والفرص الاستثمارية، وأورث البلاد كل هذا الشقاء والعنت الذي تكابده اليوم، وعلى أية حال تظل عملية اصلاح وتطوير الخدمة المدنية، ذات أهمية قصوى وعاجلة، فعملية البناء والتعمير والتنمية لن تتم الا في وجود خدمة مدنية فاعلة ومقتدرة..
الجريدة