أعمدة

صبري محمد علي يكتب: فطُور العيد

*فطُور العيد*

بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)

لربما هي أواخر الستينات من القرن الماضي

 لم يتجاوز عُمري الثمانية سنوات عندما كانت أمي (رحمة الله عليها) تحمل صينية فطور والدها (حقّار) على رأسها لتقدمها لي حتى الزقاق الفاصل بين دكان محمود ودصالح وديوان ود الطيب وهو زُقاق مُستقيم لا يُخشى بعده من الحُفر مياه المواسير على سلامة وصول صينية الإفطار مُروراً ببيت حاجة آمنة الصيدة وخُلدي بت منصور و بيت ناس (الجنا علي) حيث ينعطف الزُقاق قليلاً ناحية اليمين ثم يستقيم مرة أخرى بجوار زريبة حُمارة أحمد ود حمد النيل لينتهي بديوان جدنا (حقّار) حيث يتجمع أهل الفريق والخؤولة الطيب وعلي والبشير وأبنائهم

 ويأتي أبناء البنات فكنت أنا أحمل فطور أمي (رقية) ودكتور جيلاني إستشاري الأورام يأتي حاملاً لصينية أمه(عاشة) والزبير الماحي الأستاذ الجامعي يأتي بفطور أمه (آمنه)

 أما (فاطمة) وهي الأكبر والأقرب منزلاً للديوان

فأذكر أنها كانت تاتي بفطورها بنفسها وتضعه بين يدي والدها وأخوانها ولسانها يلهج بالدعاء

أريت ربي يسلمك

أريت ربي يعافيك

العيد مبارك (عليكُون)

كانت هذه اللمة تتكرر في العام مرتين عيد الفطر وعيد الأضحى

لم تكُن …

 الصواني قد أصابها ترف هذه الأيام بل كانت بسيطة بساطة ذلك الزمن الأخضر

 هي العصيدة ولكنها كانت عصيدة (سيوبر) ليست كعصائد بقية أيام السنة فكانت النسوة يخترن لها الدقيق الابيض الناعم و يُصفى عدة مرات فتكون العصيدة هي أقرب الى النشاء في هذه الأيام . خفيفة ولذيذة الطعم

و(المُلاح) ….

أو الإيدام كما وصفة (البروف) عبد الله الطيب في كتابة (حقيبة الذكريات) بقوله …

(أما المُلاح فهو إيدام يصنعه أهل السودان أدناه الماء وأعلاه اللحم وبينهما ضُروب من الخُضر)

فكان إما مُلاح التقلية أو النعيمية وما يفصل بينهما هو إضافة (اللبن الرايب) ودرجة تحمير البصلة

 ولكنهما قطعاً كانا مُلاحين متعوباً عليهما كما يُقال .

ولا أظن أن نساء هذه الأيام بمقدورهن إعادة عقارب الزمن الي الوراء ليصنعن ما كانت تصنعه أمهاتنا من أطعمة

حقيقة لا أعتقد

فقد كان النفس غير

وأدوات المطبخ

لم تسمع بالكهرباء بعد

يُضاف الي الصينية صحنين من الشعيرية والسُكسُكانية

 وهذه أيضاً يتم إعدادهما بإتقان ومهارة فائقة تتبارى فيهن أمهاتنا .

 لا أتذكر …..

 أنني قد توقفت عن نيل شرف هذه المهمة حتى رحل حقار عن دنيانا . فطيلة سنوات الدراسة وحتى حنتوب لم أفطر معي أبي وأعمامي

 ب (فريق وراء)

مقر منزل الأسرة .

لعلها كانت ….

أواخر العام ١٩٨٢م هي اللحظة التي لم أرى بعدها (حقّار) حيث أتيت اليه مودعاً لسفري للدراسة بجامعة الإسكندرية و لا أنسي أنه أخرج لي من جزلانه مبلغ (خمسة جنيهات) واصر عليّ أن آخذها كمصاريف القطر كما قال لي يومها

 (أشرب بيها الشاي)

وكانت ذات قيمة كبيرة جداً

رحم الله جميع من رحلوا من ذلك الزمن الجميل وشكلوا وجداننا وشخصيتنا وتركوا في دواخلنا مساحة واسعة من الإعتماد والإعتداد بالنفس

(وكل عام وأنتم بخير)

أول أيام عيد الفطر

١٠/أبريل ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى