عمار العركي: مآزِق العلاقات السُودانية الإرترية : حتى متى ، وإلى أين ؟
* السيد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار يزور ارتريا مهنئاً ومُشاركاً في إحياء الذكرى 33 من استقلال ارتريا ، لتعود لذاكرة العلاقات بين البلدين حين كانت ارتريا المُستقلة حديثاً تتهيأ لإستقبال رئيسها الجديد – أسياسي أفورقي- وقائد جبهة تحريرها قادماً من السودان الذي جهزه بجهازه ووضع صولجان الحكم بين يديه بعد أن دعم وساند الجبهة في نضالها منذ انطلاق شرارتها الاولى في (العام 1958م) ، متخذة من بورتسودان السودانية. مقراً لها حتي قوى عودها واستوت بقيادة المؤسس الأول ( حامد ادريس عواتي في العام 1960م) ، وبعد سلك درب طويل من الكفاح والنضال، استطاعت الحصول على حق الإستفتاء لتقرير مصيرها بالانفصال والإستقلال عن اثيوبيا في 24 مايو 1991م.
* 33 عاماً من إستقلال اريتريا عبرت خلالها كثير من المياه تحت جسر العلاقات مع السُودان بين مد وجذر ، صعود وهبوط لأسباب كثيرة أهمها فشل السُودان في إدارة العلاقة بالإستفادة من وضعيته التاريخية ورصيده السابق كراعي وداعم رئيس للنضال والتحرر الإريتري.
* ظلت العلاقات بين البلدين ومنذ إستقلال إرتريا وحتى الآن، تُدار بفقه “الهواجس والظنون والشخصنة” من قبل الرئيس أفورقي مصحوباً بفوبيا “التأمر السودانى الأثيوبى”، منذ إستقلال إرتريا فى العام ١٩91م وحتى إتفاق السلام الإرترى الأثيوبى فى العام ٢٠١٨م.
* * بدوره ظل السودان* خلال تلك الفترة يُدير علاقته مع إرتريا بلا إستراتيجية او تخطيط ، متبعاً نهج العلاقات الشخصية و العامة على مستوى مؤسسات الدولة السُودانية وأفرادها ، وفي بعض الأحيان ولطبيعة الملفات كان يُترك الأمر للمؤسسات الأمنية.
* بالتالى ظل تيرومتر العلاقة بين” الخرطوم و أسمرة ” يتأرجح بين التوتر والتحسُن بسبب الحدود والمعارضات ودعمها المتبادل وقضايا أخرى ، حيث بلغت ذروة التوتر فى العام ٢٠١٨م، حين خيمت أجواء الحرب بعد إغلاق الحدود ونشر القوات عليها ، سبقها الكثير من المحطات التي توقف عندها قطار العلاقات، بسبب الهواجس والظنون الإرترية وعدم الإستراتيجية والمؤسسية السُودانبة والتى أبرزها :
* احتضنت إربتريا العمل المُسلح للمعارضة السُودانية الجنوبية والشمالية، عقب اتهام “غير مُثبت” من الرئيس الإرتري أسياس أفورقي للخرطوم بدعم جماعات إسلامية في إرتريا عام ١٩٩٤..
* أكتوبر ٢٠٠٢* الرئيس “البشير” يتهم إرتريا “بالخيانة” ،وإن القوات الإرترية هاجمت شرق السودان (غير مُثبت)، فردت “أسمرة” على الاتهامات بأنها أكاذيب مختلقة وعارية عن الصحة”وبمثابة إعلان حرب.
* أكتوبر ٢٠٠٢* وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل يتهم إرتريا بالمشاركة في الهجوم الذي شنه المتمردون على مدينة همشكوريب.
* نوفمبر ٢٠٠٢* ذات الوزير يكشف عن أن الخرطوم طلبت رسمياً من الجامعة العربية إبلاغ إرتريا بعدم التدخل في شؤون السودان الداخلية، وجاء ذلك بالتزامن مع وصول” أفورقي” القاهرة.
* يونيو٢٠٠٤* السودان يتهم إرتريا بمحاولة نسف اتفاق لإنهاء الحرب الأهلية بجنوب السودان، ويطالب مجلس الأمن الدولى بوضع حد لما تقوم به “أسمرة” .
* *أكتوبر ٢٠٠٤* إرتريا تقول إن أجهزتها الأمنية اعتقلت خلية كانت تخطط لاغتيال الرئيس “أفورقي” وضرب أهداف مدنية، واتهمت النظام السوداني بالوقوف وراءها، كذّب السودان على الفور تلك الاتهامات، مبدياً أمله ألا تكون الاتهامات مقدمة لعمل عدواني.
* *مايو ٢٠٠٥* العقيد الليبي الراحل “القذافي” يعقد مصالحة “تاريخية” بين “البشير وأفورقي” على هامش قمة أفريقية مصغرة بشأن “دارفور”،وكانت المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيسان في قمة كهذه منذ سنوات.
* *يونيو٢٠٠٥* السودان يتقدم بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي ضد إرتريا، تضمنت اتهاماً لأسمرة بتقويض جهود السلام التي يشهدها السودان، وأسمرة تنفي.
•تحسن العلاقات:
* العام ٢٠٠٦* شهد تحسن في العلاقات بين الخرطوم وأسمرة بعد نهاية حركة تمرد سُودانية كانت تنشط في شرق السودان، وكانت الخرطوم تتهم “أسمرة” بدعمها.
* يونيو ٢٠٠٦* الرئيسان السوداني والإرتري يعقدان قمة في الخرطوم هي الأولى منذ خمس سنوات لإنهاء الاضطرابات في شرق السودان.
* أكتوبر ٢٠٠٦* العاصمة الإرترية تحتضن توقيع اتفاقية شاملة للسلام بين الحكومة السودانية ومتمردي جبهة شرق السودان، وحضر المراسم الرئيسان السوداني والإرتري والأمين العام لجامعة الدول العربية.
* نوفمبر٢٠٠٦* الحكومة الإرترية تقول إنها تقوم بوساطة بين الحكومة السودانية وفصائل التمرد التي لم توقع على اتفاق سلام دارفور في العاصمة النيجيرية أبوجا.
* نوفمبر ٢٠٠٨* الرئيس الإرتري يزور السودان ويتعهد بالعمل مع كافة الأطراف للتوصل لحلول مرضية للأزمة في دارفور.
* *مارس٢٠٠٩* الرئيس السوداني يقوم بزيارة خاطفة لإرتريا متحدياً بها تهديدات المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام “لويس مورينو أوكامبو” بالقبض عليه حال خروجه من السودان، وجاءت الزيارة بناء على دعوة رسمية وجهها له نظيره الإرترى “أفورقي” تعبيراً عن تضامن بلاده مع السودان ضد مذكرة التوقيف.
* *أكتوبر٢٠١١* لقاء جمع “البشير وأفورقي” بالخرطوم، حيث قرر البلدان فتح الحدود بينهما لتفعيل آليات التعاون وتسهيل حركة المواطنين والسلع بين الخرطوم وأسمرة، كما تعهدا آنذاك بربط البلدين عبر الطرق والسكك الحديدية لتسهيل التعاون والحركة وتبادل المنافع.
* *فبراير ٢٠١٣* الرئيس السوداني يلتقي نظيره الإرتري بأسمرة.
* *يناير ٢٠١٨* وكالة السودان للأنباء تعلن أن تعزيزات من الجيش وقوات الدعم السريع وصلت إلى ولاية كسلا، في إطار ما وصف بالاستنفار والجاهزية لتأمين الحدود، وذلك بعد إعلان الخرطوم عن تهديدات محتملة من قبل “مصر وإرتريا”، والرئيس”أفورقى” يقول في مقابلة مع تلفزيون بلاده إن الحديث عن وجود تعزيزات عسكرية مصرية في إرتريا مجرد “فبركات” صاغتها المخابرات السودانية والإثيوبية لتبرير نشر قواتهما على الحدود مع بلاده.
* *قصدنا من هذا السرد المختصر* لمسار العلاقة مع “إرتريا” توضح مدى تحكم نهج “الظنون والشخصنة”، والمزاجية الفردية فى إدارتها ،والتي تركت صورة ذهنية وإنطباعية خاطئة لشكل العلاقة الحقيقي ترسخت في الأذهان ومضت عليها الركبان فى ذات المسار الخاطيء.
العلاقات بعد حرب 15 أبريل :
* إن كان لهذه الحرب جانب إيجابي* ، فهو إلقاء كل التصورات والتقديرات الذهنية الخاطئة التى كانت من “الثوابت والمُسلمات ” في ادارة العلاقات الخارجية ما قبل ١٤ ابريل ، ومثال لهكذا سؤ تقدير ذهني خاطيء هو ” تأييد ودعم إرتريا للحكومة وجيشها السوداني في محاربة المتمردين ، بينما اختارت أثيوبيا تأييد ودعم المتمردين وبشكل سافر ومُستفز”، فى مخالفة صريحة لذهنية ” إرتريا عدو السودان ، وأثيوبيا شقيقته”
* مؤشرات دعم إرتريا للإستقرار فى السودان ::* بدأت منذ فجر الثورة والتغيير في اول زيارة لوفد المجلس العسكرى الإنتقالى “لأسمرة”برئاسة مدبر المخابرات العامة حينها “ابوبكر دمبلاب” بغرض تنوير “أفورقى” بالتطورات والتغييرالذى تم ، فحمله “أفورقي” رسالة ونصيحة غالية “للبرهان” وهي (بأن يستمر المجلس العسكرى الإنتقالى في السُلطة وإدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عام ، وعدم اشراك الأحزاب والمدنيين مهما تعرضوا لضغوط ومعارضة منهم ، وليس أمامهم إلا الذهاب والإستعداد والتجهيز لإنتخابات عامة بعد مُضي العام).
* وضح موقف “اريتريا” من حرب الخرطوم* من خلال خطاب افورقي الشهير والقوي فى يوم ١مايو 2023م ، وقراره الفورى بفتح الحدود بعد اول يوم من الحرب و مساندة الجيش و استقبال السودانين كمواطنين وليس لاجئين ، أتبعه بخطاب مماثل فى مؤتمر قمة دول جوارالسُودان بالقاهرة.
خلاصة القول ومنتهاه:
* قد يقول قائل أن أفورقي يرفض ترفيع التمثيل الدبلوماسي لدرجة السفير ونقول بأن ذلك موقفه من السفراء عموماً وليس السودان فقط ، حيث يوجد في “اسمرة” 28 سفارة فقط ، والتي بها تمثيل بدرجة سفير هى سفارات ( روسيا، تركيا، الهند، الصين، فرنسا، اليمن ، قطر) و كل باقي السفارات التمثيل بدرجة قائم بالاعمال بما فيها السودان.
* “افورقي” يعتقد* ان للسودان فضل عليه و وعلى الشعب الإرترى منذ إنطلاقة ثورة التحرر والنضال حتى الإستفتاء والإستقلال ، لكنه مسكون بهواجس وظنون الماضي ، بينما ” السودان ” وبسبب ادارة خاطئة للعلاقة سابقاً وحاضراً ، ضل طريقه الى إرتريا.
* التحولات و المتغيرات الدولية والاقليمية التي طرأت على خارطة المنطقة أفرزت وأقعاً جديداً وتحديات ومهددات مشتركة بين البلدين حتم بالضرورة وجود اتحاد وتعاون ثنائي للمجابهة ، الوقت لا يسمح للبلدين بتضييع 33 عاماً أخري هباءً بسبب الهواجس والظنون الإرترية ، وسؤ التخطيط السُوداني للنجأة والعبور بالعلاقات الى بر الأمان .