أعمدة

العيكورة يكتب : (بعيداً عن السياسة) *حنتوب الجميلة*

(بعيداً عن السياسة)

*حنتوب الجميلة*

(مقال منشور سابقاً)

*بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)*

حنتوب الثانوية أو حنتوب الجميلة رائعة الشاعر محمد عوض الكريم القرشى التى شدا بها فنان الجزيرة الخير عثمان

 *للنيل باقية شامة*

 *والهُدهُد علامة*

*و مُنسق نظاما*

*وفى تقدُم دواما*

هى حنتوب القرية الوادعة شرق مدنى تتوسد الضفة الشرقية من النيل

 نعم هى التى بكاها مُودعاً الشاعر حُمّيدة (أبو عُشر) نجار عمل بها وتم نقله الى مدرسة الحصاحيصا فاودعها وُريقة من بين المطرقة والمنشار

*(وداعا روضتى الغنّا)*

رائعة الكاشف

*طويتُ الماضى فى قلبى*

*و عِشتُ على صدى الذكرى*

*لماذا الهجر ياحبى*

*لماذا دهرُنا ضنّا*

 نعم كانت لنا حنتوب نقطة فارقة فى صقل الشخصية و تكوين الذات و تلمس الخُطى فى دروب العلم فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى بل أكاد أجزم أن حتى المعين اللغوى هو الذى أتينا به من حنتوب لم يتغير

الداخليات العَشْر التى تكونها كانت هى ورشة الاعتماد على النفس وإكتشاف المواهب الرياضية والثقافية بل و صقل (كاريزما) الشخصيات القيادية تذاكرنا ، تنافسنا تضاحكنا و أبدعنا بين أشجار (النيم) و(اللّبخ) و قاعات الدرس وصالات الطعام و ملاعب الكرة ، كان القبول لها بالتفوق الاكاديمى من كل أنحاء السودان كخور طقت ومدرسة وادى سيدنا الثانوية ، هذه العُصارة أتاحت لنا بيئة مُبدعة خلاقة متميزة فى كل ضروب الإبداع الثقافى والرياضى والاكاديمى وما توفره المنافسات بين الداخليات فى المجال المسرحى وكرة القدم و السلّة التى برع فيها زملائنا الجنوبيون ، و كم تحضرنى (منلوجات) ثنائى داخلية جمّاع عن قاعة الطعام (السُفرة) والأكل وهم يرددون على خشبة المسرح

*ليالى السُفرة لذاذ بلحيل* *معاك يا الفولة والساردين* *يا عز الدين ما قلت خبير* *وين السلطة وينو الجرجير*

 وعز الدين هذا كان المسؤول عن مُستودع الأغذية ، كان لنا نشاط ثقافى عبر الداخلية (النجومى) شاركت عبره فى إحدى الدورات المدرسية بمدنى وشاركت مرة أخرى بتأليف مسرحية سميتها (المصير) وكان ترتيبها الثانى على المدرسة ولى مع هذه المسرحية قصة كادت أن تؤدى الى فصلى من المدرسة.

 تناولت فيها سجون (نميرى) والقهر والذل وسطوة جهاز الأمن والإتحاد الإشتراكى آنذاك فنصحنى بعض الاساتذة بسحبها من المنافسة فى اللحظات الاخيرة من العرض ولكننى أبيتُ إلا أن تُعرض بعد أن صممت حتى الديكور الخلفى للمسرح فما كان لى أن أتنازل عنها ،

هكذا كان فهمى حينها ، ثم كانت الليلة الختامية التى تُعلن فيها النتائج وقد شرفها وزير التربية بالمحافظة آنذاك السيد/عيسى جفون و جاء ترتيب (المصير) الثانية وسط صياح وتصفيق الطلاب فصعدت المسرح لإلقاء قصيدة فى فقرة تالية فعبرت عن عدم عدالة التحكيم فضج المسرح مرة أخرى وهنا شعر المدير الاستاذ عثمان محمود من سكان (ود مدنى)

 و كان رجلاً أصلعاً (على الزيرو) فأكتفت المدرسة عن بكرة أبيها بلقب (أبصلعه). فشعر المدير حينها بالحرج أمام ضيفة معالى الوزير فصعد لى أستاذ مادة الفنون (نهرو) على خشبة المسرح . أن كفى إثارة للطلاب وكان أستاذاً رائعا مُبدعا لبيساً تُزينه نظارة طبية.غداً طلبنى المُدير فأرسل لى (الصول) العم محمد محمود وقُبيل أن أدلف الباب الى المكتب وجدتُ الأستاذ (نِهْرو) ينتظرنى بالخارج فطلب منى عدم مناقشة المدير وعلىّ الصمت التام و أن لا أجادله بأى كلمة ، فدخلتُ وكنتُ خائفاً مُتوتراً لا تكادُ تحملنى قدماى على الوقوف . أدلفت الباب الزجاجى ورائحة (الوطواط) تفوح داخل المكتب و(الصول) يقف عند الباب مُتأبطاً عصاهُ ، فكل الشواهد تدل أن الأمر ليس على ما يُرام ! ولكننى هدأت قليلا بعدما تبعنى أستاذ (نهرو) داخل المكتب. عندما رأيتُ (صَلعة) المُدير خلف الزجاج إنتابتنى (كعبله) كالتى يفعلها عادل إمام فى مسرحية (شاهد ماشفش حاجة) . فما أن رانى داخلاً حتى إنتفض عن الكرسى مبتعداً عنه قليلا وهو يشير إليه بيديه الاثنتين مُستشيطاً فى غضب (تعال بالله أقعد مكانى) و أردف بوصلة من التوبيخ والوعيد وبدأ فى تسجيل بياناتى الإسم ،الداخلية ،الفصل فادركتُ وأنا فى هذا الوضع أن للأمر ما بعده وبدأ أستاذ (نهرو) فى الشفاعة و سرْد نشاطى ومدح أخلاقى لسعادة المدير حتى هدّأ من روع الرجل قليلاً و حذرنى من العودة لمثل هذا التصرف (الأرعن) وأمام مَنْ ؟ (قالها عالية و كان مُغمِض العينين) من شدة الغضب أمام الوزير ؟ فخرجتُ وقد كُتبَت لى حياة جديدة فى حنتوب الثانوية .

رائحة أوراق النيم إعتدنا أن تكون أول عبق الصباح الذى يملأ رئتينا و آخر ما يهدهد جفاننا محمُولاً على أهداب النسيم البارد ليلاً ، وله ذكرى مع أيام إمتحانات الشهادة و لا أدرى لماذا كل ما حمل النسيم عبق النيم تذكرت حنتوب و الإمتحانات الى يومنا هذا

 أ لأنه كان يُشعرنا بالإطمئنان أم لأن الممتحن يكون ذو حسٌ مرهف و (يخزن) كل ما يدور حوله أيام الامتحان ،

 عندما تُغلق الفصول بعد توزيع أرقام الجلوس لا يُسمح لنا بدخول سور المدرسة فنتحلق حول الأساتذه وقوفاً تحت ظل الشجر ،الكل يقدم لطلابه ما يتوقع من الأسئلة و من مِنا لا يذكر الأستاذ محمد عبد الرحمن عكود وبلّة عبد الفرّاج وهاشم (رياضيات) ويوسف بشير (كيمياء) و يوسف بابكر (أحياء) والسُنِّى (جغرافيا) و الجيلى مضوى (لغة عربية) و رحمة الله سليمان (إسلامية) وغيرهم من قامات حنتوب بل السودان أجمع فما يتوقعه هؤلاء الأساتذه ويوجهوننا بالتركيز عليه نجده غداً يتمدد على ورقة الأسئلة ، حتى حدثونا أنه فى سنة ما وضع أساتذة الرياضيات إختباراً تجريبياً فوجدوه كما توقعوا عندما وزعت ورقة الرياضيات فإضطرت المدرسة لإخطار لجنة الإختبارات المركزية بالخرطوم عبر مأمور المركز بمدنى أيام الإنجليز حتى لا تتهم المدرسة بكشف الامتحان .

            زاملنى نفر كريم من أبناء القرية فى تلك الفترة وكانت دفعتنا آخر دفعة تم إعلانها عبر المذياع والصحف وليلة الاذاعة كانت كرنفال فى منزلنا لا أنساه . كنا من متوسطة العيكورة أربعة طلاب. كثيرةٌ هى الأسماء التى جمعتنا بها حنتوب من خارج القرية فمن أبناء فداسى الحليماب عاصم ياسين وجمال الوالى جاءنا محولاً من إحدي مدارس مدني ودكتور المغيرة يوسف الهادى ومن الشكابة شاع الدين محمد عباس أبو حنفى ومن مدنى الأخ أحمد عيسى جفون ومحمد الفاتح أبوعاقلة من المدينة عرب ومن الشبارقة نفر كريم من عائلة جميل ومن دلوت الدكتور محمد عظيم ومن دوكة الطيب خلف الله ومن الشرفة جمال دفع الله ومن المسلمية الدكتور حاتم الطريفى وعبد الباقى الجيلى من طيبة الشيخ عبد الباقى ومحمد عبد الله الفيل من مهلة ويوسف عبدالرحيم أبوسنينة من قرية أبوسنينة وغيرهم كُثُر من أبناء المناقل وقُراها . فالتحية لهذه الكوكبة الرائعة ولزميل الطفولة والدراسة اللواء طبيب محمد عبد السلام نورين بجامعة كررى و لسعادة السفير عبد الغنى النعيم وكيل وزارة الخارجية السابق فكثيراً ما غنينا سوياً للداخلية و للسودان و لحنتوب الجميلة عندما (تقطع) الكهرباء .

*إعادة نشر*

الأثنين ٦/يناير ٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى