أعمدة

كلمة ونص.. سبنا شعبان تكتب : درس العصر

كلمة ونص

سبناشعبان تكتب : درس العصر

سودان بلا حدود

في خطوة جدلية، قرر وزير التربية والتعليم السوداني مؤخرًا أن يتم إجلاس الطلاب لأداء الامتحانات في وقت القيلولة، أي في فترة ما بعد الظهيرة. لكن هذا القرار يثير تساؤلات عديدة حول جدوى هذه الخطوة من الناحية العلمية والتربوية، وينبغي أن نتوقف عنده بتعمق، خاصة وأنه يلامس مسألة حساسة تتعلق بأداء الطلاب والتركيز العقلي في أهم لحظات العام الدراسي.

الذهن في زمن القيلولة

علميًا، يعتبر وقت القيلولة، الذي يحدث في غالب الأحيان بين الساعة الثانية ظهرًا والرابعة، من أكثر الأوقات التي يشعر فيها الإنسان بالخمول العقلي والبدني. قد يكون من المفيد أخذ قيلولة قصيرة لتجديد النشاط، ولكن هذا لا يتماشى مع مهام ذهنية مكثفة مثل أداء الامتحانات. الدراسات العلمية تشير إلى أن الدماغ خلال هذه الفترة يكون في أضعف حالاته من حيث النشاط والتركيز. الباحثون في مجال علم الأعصاب أكدوا أن ساعات الظهيرة تُعد من أكثر الأوقات التي يواجه فيها الدماغ انخفاضًا في مستويات اليقظة والتركيز، وذلك بسبب التغيرات الطبيعية في الساعة البيولوجية للجسم.

ويذكر العلماء أن الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالنعاس (مثل هرمون الميلاتونين) تبدأ في الزيادة بعد منتصف النهار، مما يؤدي إلى شعور عام بالخمول. ولهذا، فإن وضع الطلاب في هذا الوقت لأداء الامتحانات، وهو ما يتطلب أعلى درجات التركيز والتفكير النقدي، يمكن أن يضعف من أدائهم بشكل كبير. في المقابل، تشير الدراسات إلى أن الأوقات التي تسبق الظهيرة، وخاصة الساعات الأولى من الصباح، هي الأنسب لأداء المهام الذهنية المعقدة، حيث يكون الدماغ في ذروة نشاطه.

تأثير القرار على الطلاب

قرار الوزير قد يترك تأثيرًا سلبيًا على الطلاب، حيث يجد الكثير منهم صعوبة في التركيز والمثابرة في فترة ما بعد الظهر. بالطبع، هناك استثناءات، ولكن بشكل عام فإن تأجيل الامتحانات إلى فترة القيلولة يتناقض مع المبادئ العلمية التي تدعو إلى الاستفادة من الأوقات التي يكون فيها الدماغ في ذروته.

من المهم أن نذكر أن الطلاب في مرحلة الامتحانات يمرون بضغط نفسي كبير، ووجود امتحان في وقت غير مناسب قد يزيد من هذا الضغط ويقلل من أدائهم الأكاديمي. قلة التركيز قد تؤدي إلى الإجهاد الذهني، ومن ثم التأثير على نتائج الامتحانات، وبالتالي عدم تحقيق أهدافهم التعليمية.

تحميل المسؤولية للدولة

إن قرار وزير التربية والتعليم ليس فقط خطوة غير مدروسة علميًا، بل يعكس إهمالاً في النظر إلى الاحتياجات الحقيقية للطلاب، وبالتالي يتحمل النظام التعليمي في السودان جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن فشل هذا القرار. فالدولة، باعتبارها الجهة المسؤولة عن تنظيم العملية التعليمية، يجب أن تضع أولويات الطلاب في مقدمة اهتماماتها، بما في ذلك تحسين بيئة الامتحانات وتوفير الظروف المثلى التي تساهم في تحقيق أفضل أداء أكاديمي. إن تجاهل الأوقات المثلى للتركيز والذهن السليم يعد تقصيرًا في واجب الدولة تجاه الأجيال القادمة.

من المؤسف أن نجد أن القرارات التعليمية التي تؤثر بشكل مباشر في مستقبل الطلاب تُتخذ في بعض الاحيان دون استشارة الخبراء أو الاستفادة من الأبحاث العلمية الحديثة. هذا النوع من القرارات لا يعبّر فقط عن نقص في الفهم العلمي، بل يُظهر غياب الرؤية المستقبلية التي ينبغي أن تراعي مصلحة الطلاب بشكل أكبر. وكلما استمرت الدولة في اتخاذ قرارات مماثلة دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل التي تؤثر على الطلاب، تزداد الهوة بين النظام التعليمي واحتياجات الأجيال الجديدة.

وبما ان التوجه العلمي أفضل من التوجهات الإدارية

فنري أن النظرة العلمية للأوقات المناسبة للدراسة والامتحانات يجب أن تكون الأولوية في اتخاذ القرارات التربوية. كان من الأجدر بوزارة التربية والتعليم إجراء دراسة أو استشارة مختصين في علم النفس وعلم الأعصاب قبل اتخاذ هذا القرار. بدلاً من ذلك، كان ينبغي العمل على توفير بيئة مناسبة لأداء الامتحانات في أوقات يتسم فيها الطلاب بأقصى درجات التركيز واليقظة.

وعلي ذلك فإن قرار وزير التربية والتعليم السوداني بإجلاس الطلاب لأداء الامتحانات في زمن القيلولة يتطلب مراجعة جادة. بدلًا من فرض مواعيد غير مناسبة تؤثر على تركيز الطلاب، يجب أن يتم أخذ الفترات الزمنية المناسبة علميًا في الحسبان. فالتعليم ليس مجرد إجراء اختبارات، بل هو عملية تستدعي تأمين بيئة ملائمة للطالب كي يحقق أفضل أداء ممكن. وفي النهاية، إن فشل النظام التعليمي في توفير الظروف المناسبة للطلاب يُعد بمثابة تحميل مباشر لمسؤولية فشلهم في الامتحانات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى