صديق البادى: مفاوضات جنيف واستهداف الفاشر
الزعيم السوفيتي الساخر خرتشوف خلع حذاءه أثناء انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى عام 1960م عندما نودى لإلقاء خطابه وطرق بحذائه المائدة المستديرة عدة طرقات معبراً بتلك الطريقة الساخرة الغاضبة عن رفضه لممارسات الخصم التقليدى والقطب الآخر ابان الحرب الباردة ولفت أنظار العالم كله وجذب انتباهه وكان تأثير ما فعله أكبر وأبلغ وأسرع من تأثير أى خطاب طويل غاضب حتى لو استغرق ساعة كاملة من الزمان .
واذا افترضنا مجرد افتراض مشاركة رئيس مجلس السيادة الانتقالى فى مفاوضات جنيف أو تكليف غيره ليمثله فليس المطلوب منه أو من غيره التصرف بطريقة خرتشوف ولكن المطلوب منه أن يعبر بصدق ويعكس نبض الشارع وموقف وغضب الشعب السودانى من الظلم الذى حاق به بتدبير و تمويل وتنفيذ مخطط دولى واقليمي آثم واشعال نار حرب تخريبية تدميرية لئلا ينهض وهم يدركون أن السودان يملك من الثروات الهائلة المتنوعة و الموارد الضخمة ما يجعله في مصاف اغنى الدول في العالم من حيث المخزون الاستراتيجي الذى لم يستثمر بسبب الخلافات الحادة حول السلطة والصراعات الشرسة على المواقع ودوران الكثيرين حول أنفسهم و اختصار كل منهم الوطن في ذاته و السودان يعج بالعلماء والخبراء في كل المجالات و هم منتشرون في أرجاء العالم و لو حصروا فإن أعدادهم الهائلة تفوق من الناحية العددية و النوعية اعداد علماء وخبراء في قارة كاملة . وعليه أن يكون واضحاً و صريحاً و شجاعاً فى خطابه ويرفع صوت لوم للخواجات و ( المتخوجنين ) لأنهم لم يحركوا ساكناً و ظلت مشاعرهم باردة كالثلج تجاه ما ظل يجرى فى السودان على مدى ستة عشر شهراً منذ اندلاع الحرب من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ولم تهزهم أو تؤلمهم الجرائم البشعة و الفظائع التى حدثت للشعب السودانى و المواطنين الأبرياء العزل من السلاح و ما حدث ليس له مثيل في تاريخ الإنسانية كله. و الخواجات يدعون حرصهم على الدفاع عن حقوق الكلاب و القطط و الخنازير و يدينون اى اعتداء عليها ولكنهم رغم متابعتهم بدقة لكل ما يجرى في السودان و علمهم بكل الانتهاكات الفظيعة التي تمت ولكنهم قابلوا ذلك بإهمال و عدم اهتمام و لعلهم أرادوا إذلال الشعب السودانى واهانته رغم علمهم أنه شعب عظيم قوى الشكيمة صلب الارادة و شهد بذلك تشرشل في كتابه حرب النهر و الشاعر الانجليزى كبلنج في قصيدته فزى وزى و يشهد بذلك ما سجله عنه البريطانيون في رسائل و مدونات المحفوظة في عدة مجلدات .. والسودان كان شبه مستعمر في الفترة الانتقالية المفترض أن تكون قد انتهت و طويت صفحتها في شهر نوفمبر عام 2022م و الشواهد على التدخلات الأجنبية في تسيير دفة الحكم موثقة بدقة وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أن الفترات الانتقالية تحكم بموجب دستور انتقالى معدل و لكن فولكر و من معه من الذين أعتبروا أنفسهم أوصياء على الوطن أتوا للسودان بدستور تم اعداده في الخارج كلفوا قانونيين أجانب بوضعه مع بعض اللمسات الخفيفة عليه في الداخل واقاموا ما أطلقوا عليه الاحتفال بالتوقيع على الاطارئ و حددوا من يوقع عليه و من لا يوقع و بعض من وقعوا عليه لم نسمع بهم من قبل ووقع بعضهم بإسم تنظيمات هلامية ليس لها وزن و هى لا في العير ولا في النفير. وفولكر كان يهدف لتكوين حكومة من الاطاريين الموقعين تكون خفيفة الوزن الجماهيري لتثور ضدها كل القوى السياسية من أقصى اليمين لاقصى اليسار و بينهما قوى الوسط العريض التي تمثل الأغلبية و تحدث فوضى سياسية عارمة لتتزامن مع الحرب التى اشعلوا نارها . ورئيس وزراء الفترة الانتقالية قدم استقالته و شهد على ذلك الجميع والآن فإن القوى الاستعمارية الأجنبية تريد اعادة العمل بالاتفاق الاطارئ بعد أن حوله الشعب السوداني لسلة المهملات و امريكا ومن والاها لها مرشحها لمنصب رئيس الوزراء و الاتحاد الأوربى يريد اعادة ترشيح رئيس الوزراء السابق الذى كان تدفع مرتبات العاملين في مكتبه بالعملات الحرة و يوجد من لم يعتلى موقعاً وزارياً أو دستورياً في الفترة الانتقالية السابقة و لكنه كان و ما فتئ يتطلع لشغل منصب رئيس الوزراء ولو رشح لهذا الموقع بوصفه خبيراً مستقلاً ان كان فعلاً هو خبير يمكن أن ينظر لرغبته بعين الاعتبار و لكنه يتطلع لهذا الموقع بإسم حزب لا يمكن أن يفوز بموقع رئيس مجلس ريفي واحد في كل ارجاء القطر لو اجريت الانتخابات على أساس حزبي بل لايمكن أن يجد أغلبية في لجنة شعبية فى قرية او في أحد الأحياء بالمدن فكيف له في هذه الحالة أن يصبح رئيس وزراء السودان كله . وترسل في هذه الايام رسائل مبطنة فيها اغراءات و مساومات . و موضوع التهافت على المواقع فى أيام الاطارئ و ما أدراك ما الاطارئ قبل اندلاع الحرب يطول وهناك من رشح نفسه من المدنيين دون أن يرشحه احد لموقع رئيس مجلس السيادة و يوجد من لا يخفى الآن رغبته وتطلعه فى اعتلاء هذا الموقع و البلد في حالة انهيار فى جل المجالات و الخدمة المدنية تحتضر و الموسم الزراعى الصيفى تنذر كل المؤشرات و قرائن الأحوال أن نسبة انتاج الذرة ستكون أقل كثيراً و ستحدث فجوة غذائية بل ربما تحدث مجاعة لا قدر الله إن لم يتم وضع الاحتياطات و تداركها مبكراً(سعر شوال الذرة ود أحمد الآن مائة وخمسه وسبعون الف جنيه سودانى وسعر جوال الذرة طابت حوالى مائتى الف جنيه سودانى في بعض المناطق) و الوطن في هذا الوضع و بعض بنيه يتصارعون حول كراسى السلطة (والكراسى طايرة فى السماء الأحمر).
والأغلبية الكاسحة الساحقة من الشعب السودانى مع ايقاف الحرب وإرساء دعائم السلام وإقامة فترة انتقالية تمتد لفترة تتراوح بين خمسة و عشرة أعوام يقودها العمالقة و الفطاحلة من الخبراء و التكنقراط .
وسبق مفاوضات جنيف حديث كثير عن ايصال الإغاثات للمتضررين من الحرب ولا غبار على ذلك ولكن خشى الكثيرون أن تكون هذه المسألة ظاهرها انسانى و باطنها اعادة ما كان يحدث في شريان الحياة واتخاذ ارسال الإغاثات وسيلة لإرسال الأسلحة للفاشر التي استعصت عليهم . وان كبار المسؤولين الامريكان في وزارة الخارجية و وفي البيت الأبيض اخذوا يكثرون من تصريحاتهم وادانتهم لما يحدث من هجمات واعتداءات على الفاشر وأعلنوا أنهم ضد فصل دارفور وقيل اذا سبح القيطوني هم بسرقة ( ورؤوس الناس ليس فيها قنابير) والجميع يدركون أن أمريكا تؤيد عملية الهجوم على الفاشر و محاولة دخلوها و السيطرة عليها . ولهم سابق تجربة في ذلك إذ أن الأمريكان بعثوا مبعوثهم في مفاوضات السلام في نيفاشا وقبلها في ماشاكوس القس دانفورث الذى أعلن أن أمريكا تتبنى تنفيذ الدراسة التى أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن واشترك فى اعدادها دكتور فرانسيس دينق ما جوك و الدراسة خلصت لأن حل مشكلة جنوب السودان تكمن في اقامة دولة كنفدرالية في السودان يكون فيها نظامان للحكم في دولة واحدة وهذا هو رأى أمريكا في الظاهر اما فى الباطن فقد تبنت فصل جنوب السودان و كان لها ما ارادت وارادوا في عام 2011م . وبنفس القدر فإنهم يعملون على فصل دارفور لإدراكهم أنها غنية بإهم المعادن مثل اليورانيوم وغيره وبها حفرة النحاس وبها مخزون نفطى كبير وأعلن عالم الفضاء المصرى دكتور الباز إن دارفور بها بحيرة تحوى مياهاً جوفيه بكميات ضخمة وهى غنية بثروتها الحيوانية و محصولاتها الزراعية …. الخ ولا يهم أمريكا إذا إنفصلت دارفور أن يحكمها الدعم السريع أو الدعم البطئ أو تكون بلا حكم وستحدث صراعات حادة حول كيفية تكوين جيش وجهاز أمن دولة دارفور وكيفية حكمها و من يقودها ويتوقعون أن تحدث فيها صراعات إثنية و قبلية تجري فيها الدماء كالأنهار مع غموض وضع أبناء دارفور الذين يقيمون في الولايات الآخري ومن حقهم كسودانين أن يقيموا في أي بقعة في الوطن في ظل الدولة الموحدة . وهم يريدون بكل أسف أن تعيش دارفور علي ظهر بركان ملتهب وانتبهوا أيها السادة وأنبذوا الخلافات ولا تنساقوا وراء النزعات الإستعمارية الشيطانية