أمواج ناعمة.. د. ياسر محجوب الحسين: السودان.. تحركات خارجية متسارعة
مع تسارع وتيرة العمليات العسكرية في السودان نشطت تحركات دبلوماسية وسياسية في سياق حركة زيارات خارجية نحو العاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان لمسؤولين كبار لدول لها اهتمام بالأزمة السودانية الراهنة؛ وكان الحدث الأبرز زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد رفقة مسؤولين أثيوبيين معنيين بملفات مشتركة؛ عسكرية، وأمنية، وسياسية. ويأتي عنصر الدهشة من التباين الكبير بين قيادتي البلدين الجارين إثر هذه الأزمة، غير القضايا الأخرى ذات البعد الإقليمي مثل مشروع سد النهضة المثير للجدل. فالسودان يتهم جارته الشرقية بالوقوف علنا إلى جانب مليشيا الدعم السريع المتمردة على الجيش السوداني وجناحها السياسي المتمثل في قوى الحرية والتغيير (قحت) التي عدلت اسمها لتنسيقية (تقدم). وبلغ الغضب السوداني عندما تحدث آبي أحمد في يوليو من العام الماضي عن ما أسماه بـ»الفراغ في قيادة السودان»، ثم استقباله لما روّج بأنه قائد مليشيا الدعم السريع المتمردة في أديس أبابا والاحتفاء به.
المتابعون يرون بأن فقدان الأمل في وجود أي مشروعية سياسية مستقبلية للقوات المتمردة وتراجع حظوظها في تحقيق أي تقدم على الأرض في مقابل تقدم قوات الجيش عليها، وتمكنه من ضرب كل قوتها الصلبة، فضلا عن التقارير الدولية المستقلة المتتالية عن انتهاكاتها الفظيعة ضد الإنسانية التي سارت بها الرياح في كل مكان، كل ذلك قد جعل أثيوبيا تعيد تموضعها من الأزمة السودانية وتقترب أكثر من القيادة السودانية، وتمد جسور التعاون معها. ويضيف البعض الآخر من المحللين السياسيين بأن قضية سد النهضة أيضاً حاضرة في الأجندة الأثيوبية، إذ أن اعتراض السودان على الموقف الأثيوبي من أزمته، جعله وفقاً لتقديرات أثيوبية أقرب إلى مصر لا سيما وأن الأخيرة، وإن لم يرض السودان تماماً على موقفها من أزمته؛ إلا أنه يعتبر الأفضل من بين المواقف الخارجية.
وبدأت أثيوبيا الأسبوع قبل الماضي عمليات الملء الخامس لسد النهضة، محتجزة بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل، لتضاف إلى 41 مليار متر مكعب تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة، رغم الاحتجاجات الرسمية من مصر والسودان. ولعل أثيوبيا استثمرت طيلة سنوات بناء السد الذي أوشك على الاكتمال، في الخلافات المصرية السودانية، وكانت لها بمثابة فرصة تاريخية لانشاء السد والتحكم بالكامل في إدارة تخزين وتصريف مياهه. واستطاعت أديس أبابا فرض إرادتها على مصر والسودان حيث تتعزز حقيقة أن السد أضحى أمراً واقعاً مع مرور الوقت، وفي ظل ضعف البلدين الشديد (مصر والسودان): فالأول يعصف به وضع اقتصادي متدهور والثاني تعصف به حرب مدمرة إقليمية دولية بأدوات داخلية. ولذا تأمل أثيوبيا أن يمضي الملء الخامس والأخير دون ضجة، أو أي تحرك لا من جانب مصر ولا بالضرورة من جانب السودان. فخلال أزمة سد النهضة منذ 2013، اتخذت الحكومة السودانية مواقف داعمة لأثيوبيا في مشروع سد النهضة، ومع أن السودان حينها نظر لبعض الفوائد التي ستعود عليه من قيام السد، ومع ذلك بدت هذه النظرة قاصرة بالبعد الاستراتيجي للأمن القومي في البلدين. وربما تنبهت الخرطوم متأخراً لهذا (الخطأ)، وعمدت إلى قيادة وساطة أسفرت عن اتفاق بين الدول الثلاث في مارس 2015، لكنه لم يصمد بسبب التعنت الأثيوبي، فأثيوبيا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز مشروع السد الأمر الذي مكنها من التعويل على أن المشروع أصبح أمراً واقعاً رضى من رضا وأبى من أبى.
إن خلاصة الزيارة التي قام بها آبي أحمد للسودان تشير إلى أن الجانبين تجاوزا التوتر في العلاقات عقب محادثات مغلقة بين زعيمي البلدين. وقيل إن رئيس الوزراء الأثيوبي عرض لعب دور لتقريب المواقف في الأزمة السودانية، كما أقر الجانبان إجراءات للتعاون والتنسيق الأمني للمحافظة على الاستقرار في حدود البلدين، ولا سيما منع تسلل مسلحين على جانبي الحدود، خصوصا مع احتمالات اقتراب المواجهات العسكرية بين الجيش والمليشيا المتمردة من الحدود الأثيوبية، حيث تسعى المليشيا لفتح منفذ شرقي لتدفق الدعم الخارجي. لكن لا يبدو أن القيادة السودانية يهمها من نتائج زيارة آبي أحمد سوى تأمين الحدود مع جارتها الشرقية ومنع نفاذ أي دعم خارجي يمكن أن يأتي من صوبها. فرئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني أكد عقب تلك الزيارة في محاطبة لجنوده بأنه لا تفاوض مع المليشيا الإرهابية إلا بعد خروجها من الأعيان المدنية ومساكن المواطنين.