شؤون وشجون.. الطيب قسم السيد: المزارعون قوم مبادرون
أتاحت لي ايام الحرب التي كان نزوحنا فيها مركبا، بدءا بالمغادرة القسرية الأولى من منزلنا بالحلفاية حي الريان(اللاسلكي) جنوب كبري الحلفاية إلى الجيلي شمال الخرطوم،، ومنها الى ود مدني،،، ومن ود مدني إلى جنوب الجزيرة حيث قريتنا لوادعة (قندال) التي يحضنها النيل الذي ياخذ عندها شكل حدوة الحصان فيمر على يمينها وشرقها ويسارها،، ثم منها القضارف التي استقر بنا الحال بها الآن وما اطيبها من مقام.
وفي قندال مسقط راسي ومهد نشاتي ومقام ترعرعي،كانت فترة إقامتي بها هي الأطول،إذ إن العودة لأيام الطفولة وذكريات الصبا، بين الاهل في جنوب الجزيرة،،تلكم المنطقة التي عرفت بقياداتها الضليعة في مجال العمل العام، المرتبطة بقضايا الناس عامة،، وشؤون المزارعين بشكل خاص.كانت قندال الأكثر إلهاما، والاشد امتاعا باسترجاع ذكريات موحية َمدهشة أقر واعترف بانها شكلت لبنات بناء اتجاهات ميولي واهتماماتي المهنية و الإبداعية إن وجدت.
لقد كنا نسمع ونحن في مقتبل أعمارنا العبارات التي توحي لنا ببداية موسم الإنتاج، التي كان لحلولها إشارات وعلامات،، من بينها بدأ صرف سلفيات التحضير التي يستعين بها المزارعون في ختم عمليات إزالة مخلفات الموسم المنقضي إستعداد للموسم المقبل، وابرزها في خواتيم شهر مايو وبداية شهر يونيو،، قلع سيقان القطن، ولمها وحرقها،، ثم كنس مخلفات الحشائش التي يتم جمعها وحرقها أيضا. ونشاط وحركة مفتشي الغيط لتوزيع وصولات الإستلام.. والاخيرة كانت عبارة متداولة في مثل هذه الأثناء يتوقف عليها صرف السلفيات والأرباح للمزارعين.
في منطقتنا جنوب الجزيرة برزت على مر العقود أسماء عدة كانت لها منافحاتها،، واسهامها المتجرد لصالح المنطقة والمزارعين،، من هؤلاء المرحوم ابراهيم الطاهر،، والحاج محمدودفع الله، ومحمد صالح موسى، من فارس.. وهجو سليمان وشيخ الضاوي وعلى ابوسوقي ،، من ود الحداد.. وبشير جبارة وحامد بلول من الحاج عبد الله.. وآدم دفع الله واحمد عباس، وعبد الله عتمان من قندال.. واقرانهم من الدومة،و الدوحة، وفحل، والمدينة عرب والبرياب والعقدة وود الهندي،، واب قمري والبيلاوي.. وغيرها من مناطق جنوب الجزيرة،، الغنية بانتاجها ومروءة اهلها.
أن أبرز ماتعلمناه من آبائنا المزارعين،، حفظهم لسير بعضهم.. عمنا الراحل الأمين أحمد الفكي،، الأمين العام الأسبق لإتحاد المزارعين بالجزيرة والمناقل،، كان يحدثنا عن تلك القيادات..وكنت قد استضفته قبل أعوام في حلقة تلفزيونية خاصة في احدي المناسبات الوطنية برفقة الزميل شكر الله خلف الله،، ومعه اللواء عبد الحي محجوب، أول حاكم للإقليم الأوسط بعد البيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني،،ورافقنا في تلك الحلقة،، مطرب الجزيرة الراحل الأمين عبد الغفار،، وحكي لي شيخ الامين،، عن أول دعم معنوي قدمه المزارعون للإنقاذ في ساعاتها الأولي..ثم حدثنا عن الحاج (ادم دفع الله) رحمه الله،، وهو من قريتنا قندال بجنوب الجزيرة، الذي قدم باصرار مقترح تغيير اسم كلية ناصر الجامعية الي كلية الجزيرة الجامعية مشترطا وبشجاعة امام الرئيس الأسبق، جعفر نميري،، ان يرتبط دعم المزارعين للكلية وقتها بتغيير اسمها من كلية ناصر الجامعية إلى كلية الجزيرة الجامعية،، التي صارت في ما بعد جامعة الجزيرة الحالية.
تم ذلك والرواية لعمنا الراحل شيخ الأمين في لقاء جمع الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله ،، بقيادات المزارعين للتبرع لدعم تشييد الكلية.
وفي القضارف التي حظيت بالعمل وسط اهلها،، لما يزيد عن السبع سنوات،، شهدت العديد من المبادرات لمزارعيها وان انسى لن أنسى تلك البراءة التي قدمها المزارع من منطقة ام شجرة،، (الحاج عثمان آدم) الذي اكتشف حزمة تقنية بعنوان (السرولة) وهي تطوير عملية الشلخ اليدوية،، إلى إستخدام الآلة في تنفيذها في مرحلة معينة من نمو محصول الذرةهي(الصقور) التي تسبق مرحلة اللتيبة.. وقد منح بموجبها درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة القضارف. واعتمدت تجربته،، حزمة تقنية في هيئات ومراكز البحوث المعنية بتطوير الزراعة على امتداد البلاد.
أقول قولي هذا،، وأناشد القائمين على أمر الزراعة وزيادة الانتاج ورفع الإنتاجية،، بالقول:- عليكم استصحاب تجارب المزارعين والإستماع لأفكار ذوي التجربة و المخضرمين منهم،، وانتم تخططون لإعتماد سياسات جديدة، تحكم علاقة الإنتاج بينهم، ومن يتولى عمليات تمويل الانتاج من مؤسسات و بنوك، اوشركات او بيوت خبرة وطنية او اجنبية فالمزارعون أيها السادة وعلى مر التاريخ.. قوم مبادرون،و مبدعون.