د. مهندس/ إسماعيل ساتي يكتب: *اخلعوا الأقنعة*

*اخلعوا الأقنعة*

د. إسماعيل ساتي

خلال جائحة كوفيد-19 تعلمنا ارتداء أقنعة الوجه التي استعرنا اسمها من الإنجليزية (ماسك). ولقد استغرق ذلك وقتاً وجهداً من أجل التعود على ارتدائها لأنها مخالفة لطبيعتنا.

إلا أن الأقنعة ليس بالضرورة أن نلبسها فوق الوجه، فهناك أقنعة تغطي اجسادنا وأقنعة تغطي عيوبنا، وأقنعة توصلنا لغاياتنا وطموحاتنا كلبس هندام يناسب طموحاتنا ومناصبنا او أدوارنا الاجتماعية. أما الأقنعة التي نغطي بها عيوبنا فأسميها الأقنعة الباطنية، لأنها مخفية حتى عن أنفسنا في كثير من الأحيان.

فنحن تعودنا منذ نعومة أظفارنا على ارتداء أنواع من الأقنعة السيكلوجية، دون أن ندرك، لأنها تشعرنا بالأمان مع ذواتنا بفعل العادة وننجح من خلالها في إخفاء طبائعنا التي نكره أن نظهرها للآخرين حتى ولو كانوا أقرب الناس إلينا.

فما هي هذه الأقنعة الباطنية، وهل هي ضرورية لتجمّلنا أم أنها وسيلة ضارة يجب التخلص منها؟ ولماذا يرتدي الناس هذه الأقنعة؟

باختصار، يرتدي الناس أقنعة لحماية أنفسهم من ردود الفعل السلبية التي قد تحدث عندما لا يرتدون أقنعتهم أو عندما لا يتم قبولهم من قبل الآخرين. وقد يرتدي الناس أيضاَ أقنعة لأنهم يريدون ببساطة أن يتأقلموا مع أقرانهم أو أن يكونوا مثلهم.

والأقنعة قد يكون بعضها مرغوباً وبعضها منبوذاً. ولكن علماء النفس يحذرون منها حتى إذا كان السلوك أو السمة التي يتم إخفاءها لا تؤذي الفرد أو أي شخص آخر أو تسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه، فإن ارتداء هذه الأقنعة قد يسبب ضرراً على صاحبه، من ذلك أنها تسبب إجهاداً لا داعي له لدى الأشخاص الذين يستخدمونها بانتظام نتيجة تصرفه ضد طبيعته، ومن ذلك أيضاً صعوبة حصول مرتدوها على تشخيص دقيق لمشكلاتهم النفسية، لأن المتخصصين لا يتعرفون على السمات المخفية بفعل القناع. وينتشر هذا بشكل خاص عند النساء المصابات بالتوحد.

أنواع الأقنعة الباطنية

يقوم صاحب القناع بإخفاء طبيعته مستخدماً واحداً أو أكثر من أنواع الأقنعة التالية:

????الكلمات

????تعابير الوجه

????لغة الجسد

????الأفعال

وتقول عالمة النفس (جين فليتشر) أن للأقنعة أنماط شتى ذكرت منها الآتي:

▪️قناع الضحية: صاحبه لا يقبل اللوم حفاظا على كرامته، وبدلاً من ذلك، يلوم العالم من حوله على مشاكله وإخفاقاته كوسيلة لحماية احترامه لذاته.

▪️قناع التنمر: إذا كان صاحبه يشك في نفسه أو أنه كان قد تعرض للإساءة، فقد يلجأ إلى التنمر كوسيلة لإبعاد الناس عنه. وقد يكون التنمر جسدياً أو بالسخرية من الآخرين أو بإجبار الآخرين على قبول رأيه.

▪️قناع الفكاهة: قد يستخدم الناس الفكاهة لمنع الآخرين من السخرية أو إخفاء مشاعر الحزن. ففي النهاية، لا يمكن لأحد أن يضحك عليه إذا كان يضحك على نفسه بالفعل.

▪️قناع الهدوء: يرتدي بعض الأشخاص قناعاَ هادئاً في كل موقف تقريباً. عندما يحدث هذا، فإن العواطف قد تصبح مكبوتة مما يعرض صاحبها للإنفجار في النهاية.

▪️قناع الإنجاز المفرط: يسعى أصحاب هذا القناع لتحقيق الكمال للحصول على القبول والثناء، مما قد يسبب أيضاً حالة دائمة من القلق.

▪️قناع تقريع الذات: يتحدث صاحب هذا القناع باستخفاف عن نفسه. وهذه آلية دفاعية تهدف إلى حماية الشخص من التعرض للسخرية أو الأذى.

▪️قناع التجنب: يتضمن هذا القناع الانسحاب لداخل الذات خوفاً من أن يكون منبوذاً، مما قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية.

▪️قناع السيطرة: يسعى مرتدي هذا القناع إلى محاولة التحكم في كل من حوله حتى يتمكن من تحقيق الشعور بالأمان.

▪️قناع إرضاء الناس: احترام أصحاب هذا القناع لذواتهم يعتمد على قبول الآخرين لهم، وقد يبذلون قصارى جهدهم للتأكد من إرضاء الآخرين من حولهم كوسيلة لحصولهم على الأمان المفقود.

ولكن كيف نعرف أننا نرتدي أقنعة باطنية؟

نظراً لأن إخفاء طبائع أو سمات فينا لا نحبها يمكن أن يحدث دون وعي، فقد لا ندرك أننا نفعل ذلك. فعلى سبيل المثال، إذا لاحظت أنك تميل إلى مراقبة الآخرين قبل أن تقرر ما يجب فعله في المواقف المختلفة عن طريق تقليد سلوكهم، فقد تكون مرتدياً قناعاً. وإذا وجدت أنك تقوم بقمع بعض حركات جسمك أو أقوالك لأنك قلق من أنها ستبدو غريبة أو أن الناس سوف يعلّقون عليها، فمن المحتمل أنك ترتدي قناعاً لإخفاء عيب مادي أو معنوي فيك.

أعرف صديقاً لي تعوّد أن يضع يده على فمه كلما ضحك، ولما سألته عن سبب هذه العادة قال أنه ينتبه لها للمرة الأولى ولكن فيما يبدو فإنها بسبب تشوه في شكل أسنانه عالجه بتقويمها منذ سنوات، ولكن العادة ما برحت قائمة.

كيف تخلع قناعك؟

إن خلع القناع الذي ترتديه ليس بالأمر السهل، وقد يشعر صاحبه بافتقاده للراحة أو الأمان عند خلعه بالكامل. وقد لا يكون في بيئة تمكنه بالتصرف على طبيعته بشكل كامل.

وفي الوقت نفسه، فإن معرفة من أنا وكيف أتصرف عندما أكون غير مقنّع، يمكن أن يساعد في التعرف على الوقت الذي يكون فيه خلع القناع آمناً.

واحدة من الخطوات التي يمكن اتخاذها هي تحديد الأسباب التي تدفع صاحب القناع إلى ارتدائه أمام الآخرين. حاول أن تكون قادراً على توظيف هذا الوعي الذاتي للبدء في إسقاط قناعك واكتشاف نفسك الحقيقية. قد يساعد ذلك الآخرين على التقرب منك، لكن يجب أن تكون مستعداً للرفض. التغيير ليس سهلاً دائماً، ولكن حاول، وإذا وجدت أنك بحاجة إلى مساعدة في معالجة السبب الكامن وراء ارتداء قناع، فقد ترغب في التفكير في التحدث مع مستشار أو لأحد أفراد أسرتك.

أمثلة لأقنعة نرتديها دون أن ندري

– قناع الطيبة (لمقاومة طبيعة الخضوع)

– قناع التسامح (لمقاومة طبيعة الجبن)

– قناع الواقعية (لمقاومة طبيعة نبذ المثالية)

– قناع الغيرة (لمقاومة طبيعة الشك)

– قناع الكرامة (لمقاومة طبيعة ضعف الثقة بالنفس)

– قناع الفقر (لمقاومة طبيعة البخل)

– قناع الكرم (لمقاومة طبيعة البذ

– قناع المدنية (لمقاومة طبيعة حب السلطة)

– قناع العلم والثقافة (لمقاومة طبيعة حب التميز بالأفضلية على الآخرين)

– قناع التغافل (لمقاومة طبيعة الخوف من المواجهة)

– قناع التنافس (لمقاومة طبيعة الحسد)

– قناع الانشغال (لمقاومة طبيعة الكسل والتسويف وعدم التنظيم)

– قناع التدين (لمقاومة طبيعة أنا افضل)

– قناع رفض الآخر (لمقاومة طبيعة العنصرية)

– قناع رفض التغيير (لمقاومة طبيعة الارتكان لمنطقة الراحة)

– قناع التجمّل (لمقاومة طبيعة ضعف الثقة بالنفس)

– قناع الحب (لمقاومة طبيعة حب الذات)

 ولعل من نافلة القول أن كثيراً من الناس اليوم، وبالأخص النساء، يتوجهون لأطباء التجميل من أجل تقويم خلقتهم التي حباهم الله بها، فيسلّمون وجوههم أو أجسادهم لهؤلاء الأطباء ليقوموا بنفخها بالسليكون وبغيره،، إلا أنهم في الحقيقة يقومون بتشويه أجسادهم، فالله لا يخلق دميماً وهو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. كما أن غالب نسائنا صاروا يستعملون مساحيق تبييض البشرة لإخفاء طبيعتهم ظناً منهم أن لون بشرتنا الأسود قبيح وهو الذي يميزنا عن غيرنا (Black is Beautiful).

ونختم بسؤال، ما هي الأقنعة التي يرتديها السودانيون منذ زمن طويل ولايزالون غير مدركين بأن الوقت قد حان لخلعها؟

اخلعوا الأقنعة لتروا حقيقتكم المجردة وابدأوا بالتغيير