عادل عسوم يكتب: أنا والنجم والمسا
أنا والنجم والمسا
عادل عسوم
جلس بازرعة ينتظرها على مقعد من المقاعد المواجهة للبحر، فإذا بها تتأخر عن الموعد، ويطول به الانتظار ليسلمه المساء إلى ابتدارات الليل…
وإذا به لوحده على مقعده يحدق في أمواج البحر الأحمر المتكسرة -في هدوء- على الشاطئ الممتد إلى البعيييييد…
والأنجم شرعت تبرق في السماء…
وكلما سمع صوتا او لاح له بارق ظنها آتية…
فخيم الظلام على الأرجاء…
فإذا بالكلمات تتساوق أمام ناظرية لتخلّد لنا المشهد الحزين في ثنايا هذه البكائية المحتشدة بالرومانسية الفخيمة:
أنا والنجم والمساء
ضمنا الوجد والحنين
كم يبدع بازرعة في هذا البيت!…
لكأني به يبتدر ب(ملموسات) ومباني تتمثل في شخصه/ والنجم/ والمسا…
أما تتمة البيت فهي (محسوسات) ومعاني تتمثل في الوجد/ والحنين!…
لقد كان ذاك اللقاء فارقا حيث سبقه لقاء ألقى في روعه إحساسا بإيشاك حبهما على الذبول والموت، وهو الذي عنه بقوله:
جف في كأسنا الرجاء
وبكت فرحة السنين!
إنه ينعي حبهما وقد تبين له يقينا بأن المشاعر التي لاترجح لها كفّة قد عطب ميزانها وتناقصت مثاقيلها…
ياللإبداع وهو يصف رجاءه فيها بشراب قد جف عنه الكأس، وإذا به يبس خواء…
أما فرحة سنيهما الماضيات، فقد احالها إلى أنثى تبكي على تلك النهاية، والبكاء دوما ألزم للنساء…
تأملوا كيف صاغ عجز البيت فأنّث السياق حين قال؛ وبكت (فرحة السنين)!…
ثم شرع يخاطب الشاطئ، والشطآن دوما ترمز للغد لكونها منتهى الأمواه والأمواج…
آاه يا شاطئ الغدِ
أين في الليل مقعدي؟!
أين بالله موعدي؟!
فالليل قد أرخى عليه سدوله…
وبدت معالم المقعد تخبو رويدا رويدا، تماما كموعده الذي أصبح يتلاشى مع مقدم الليل…
وأيقن بأنها يستحيل أن تأتيه بعد انقضاء النهار، وهي التي أحبته في النور…
ويتواصل النظم الجميل فيقول:
عطر أنفاسها صبا!
يااااه
شبه أنفاسها العاطرة بنسيم الصبا، ولعله في ذلك يقتفي أثر امرؤ القيس عندما قال:
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ!
ولكن بازرعة لم يكتف بذلك، بل أضاف أبعادا أخرى للمشهد الجمالي عندما وصف (صباها) وماتحتشد به من مشاعر وأنسنة فقال:
تحمل الشوق والصِبَا
والخيالات موهبا!
أما تمام الإبداع فيتمثل في هذا البيت:
وأنا كلما دنا
طيفها الحلو وانثنى
عادني الهم والضنا!
إنه يجعل من طيفها وهو ال(محسوس)، ملموسا يتثنّي كما قوامها اللادن، فإذا له (طعم) يتغشى الحلق، بالرغم من كونه مشهد يرتهن برؤية العينين!، وتلك لعمري نصاعة وبلاغة في الوصف تُعجِزُ الشعراء المجيدين!
وإذا بالكلمات تصل إلى عبقري وربان زورق الألحان عثمان حسين، لتأسره في سرابات القصيدة جزالة المعاني ورصانة اللغة، فيعمل فيها (مقص) ألحانه السندسية ليلبسها ثوبا قشيبا يتسق مع جمال السياق…
وبهاء مرادات الكلمات…
وثراء عراجين ثمار القصيدة.
ثم يؤديها بِسَمتِ كمالٍ بشري لايضارع، ولا اخاله يتكرر!.
اليكموها كاملة:
أنا والنجم والمساء
ضمنا الوجد والحنين
***
جف في كأسنا الرجاء
وبكت فرحة السنين
آه يا شاطئ الغد
أين في الليل مقعدي
أين بالله موعدي
***
يا خطاها على الربا
عطر أنفاسها صبا
تحمل الشوق والصبا
والخيالات موهبا
وأنا كلما دنا
طيفها الحلو وانثنى
عادني الهم والضنا
انا والنجم والمساء
***
في الدجى شاق مسمعي
صوتها الملهم النغم
في الهوى هاج مدمعي
حبها الخالد الألم
كلما لاح بارق
من محياها خافق
مات بالهم عاشق
انها رقيتي التي
خلدت لحن شهرتي
ألهبت ليل وحدتي
بالأسى والصبابة
****
يا ربا البحر أشهدي
هاهنا كان موعدي
وهنا كان مقعدي
أنا والنجم والمساء
adilassoom@gmail.com