أعمدة

واصبحنا نأكل رغيفا وسمكا

بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)
و ما زال العميد الركن (م) مرتضى عثمان يرفدني خلال جمل مبعثرة كعادة العساكر عن ذكرياته مع الملازم هيثم خضر بمحطة (واو شلك)
يقول النقيب مرتضى (يومها) ما احدثه الشاب الملازم هيثم من نقله فى معيشة الجنود لم تكن لتخطر بالي في احسن حالات التفاؤل المفرط ، إذ لم اكن اتوقع ان يتحول معسكر قتال على هيئة نصف دائرة قطرها هو البحر (النيل الابيض) محاطاً بالعدو الي ساحات للرياضة والمسابقات الدينية وحلقات التحفيظ وفصولا لمحو الامية وسط الجنود .
بل لم اكن اتوقع ان يصبح الملازم محل حب وتقدير ومهابة امام مرؤسية بهذه الصورة السريعة و المدهشة فحتى مزاحه معهم كان مزاحا مؤدبا يحمل رسائل وتربية وإنضباطاً …
تعال يا سعيد
كثيرا ما كنت اسمعها من الملازم وهو متجه بخطى متسارعة نحو المخازن و الرقيب سعيد ود السمينة كان هو امين مفاتيح المستودعات الذخيرة ، التعينات ، الوقود وكانت هذه المؤن تصرف مرة واحده في العام ولا يمكن تعويض اي نقص يحدث بها فكان الملازم هيثم يحرص على ترتيبها وإصلاح ما تلف منها بين الفينة والاخرى وهذا بالطبع يحتاج لمقدرة ادارية كبيرة وحضور ذهني متقد وهو ما كان يميز الملازم
هيثم .
كنت اراه واقفا منذ السابعة صباحا وحتي السادسة مساءاً ولمدة ثلاثة ايام متتالية لصرف تعينات الجنود و يحدث هذا ايضا عند صرف الرواتب والبدلات .
كان الملازم يحترم مرؤسية ايا كان موقعهم الرقيب اول انورد اجين والرقيب عبد الرحمن زنكي والرقيب يعقوب بربارة وبربارة هذا كان معروفا عنه الكسل وكان هيثم كثيرا ما يعمد للممازحته فيطلب منه اداء عمل ما في وقت غير مناسب توقعا لرده إجابته المعتادة
(سياتك ما تخليهو بكرة) فينفجر هيثم ضاحكا فى وجهه قائلا (أفووووو) يا بربارة .

الرقيب عوض بريك (ضارب الدوشكا) كان من المحببين لهيثم و لقب بالبريك لانه كان يرقص (البريك دانص) اثناء ضربه للدوشكا وكان هيثم معجب بهذه الروح القتالية العالية وكان يمتدحه بقوله
يا بريك الليلة الدوشكا قربت تتكلم عندما يضرب عيار (٧) او (١٢) ملم .
هذه الروح المرحة ما كانت تنتقص من الشخصية الصارمة للملازم هيثم اثناء تمام السابعة صباحا فهنا يبدو هيثم ليس بشخصية البارحة المرحة وسط جنوده وقد عرف عنه الدقة المتناهية والاخلاص والصدق والامانة مما حدا برئيسة المباشر النقيب مرتضى ان يقول له (افعل ما تراه ولا تشاورني)

سبق ان ذكرنا ان الملازم قد اتى بالبذور واصبحت المحطة الدفاعية تنعم بالطماطم والخضروات بعد ان كان طعامها العدس والفول والعصيدة .
يقول العميد مرتضى
بعد اتفاقية سلام فشودة عام (٢٠٠٥)م ساد السلام المنطقة و عاد الناس لتجارتهم وانتعشت حركة الاسواق . وتم تغطية الاليات العسكرية بالمشمعات
ولكن الملازم هيثم كانت له رؤية اخرى وهي …
انه ما زال امامنا من الموارد الطبيعية المتاحة ما يجب ان نستغله من اجل تحسين مستوى المعيشة و رفاهية الجنود .
فذهب لمدينة (ملكال) واتى بكمية من الخيوط والحبال
يقول العميد مرتضى …
استغربت ! ماذا ينوى هذا الملازم فعله
فقال لي سياتك عاوزين نخلي الجنود يتعلمو النساجة لصناعة شباك لصيد السمك ! وفعلا إستعان ببعض الاهالي ومن له سابق خبرة من الجنود فأصبحنا نأكل ما طاب لنا من سمك البلطي وعجل البحر وخشم البنات بل وعمد الملازم الي البراميل الفارغة يشقها نصفين وصنع منها شوايات .
لم يقف هنا …
وقال طالما لدينا دقيق (الفينو) فلم لا نصنع الخبز ؟ فتم بناء فرن من الموارد المتاحة واصبح لنا خبزا يضاهي افران الخرطوم
الملازم هيثم (كان زول مباصرة) وعقلية فذه
هكذا قالها العميد (م) مرتضى..
ولك ان تتخيل حتى حرق كمائن الفحم كانت من بنات افكاره فأصبح بالمعسكر السمك والخبز والسمن والعسل والفحم والكرة الطائرة وكرة القدم
بعد ان كان فول وعدس وعصيدة قبل مجئ الملازم هيثم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى