الملازم هيثم و إعادة بناء المسجد
بقلم/صبري محمد علي (العيكورة)
في صباح اليوم التالي كان موعد النقيب مرتضى مع الملازم هيثم بذات توقيت البارحة السابعة صباحا عند طابور التمام تم الترحيب بالقادم وتعريفه بمهمة المحطة كموقع دفاعي عن مدينة (واو)
يقول العميد الركن (م) مرتضى إصطحبته في جولة تعريفية حول الموقع ، الخنادق ، المستودعات ، الذخيرة ، التعينات ، الآليات وطيلة الجولة كنت اوصيه واحثه على الحذر عن الثعابين والعقارب والحيوانات المفترسة فما كانت ردوده الا تكرار
(إنشاء الله) سيادتك ..
كان اول ما اهتم به الملازم هو صغر المسجد وافتقاره للفرش والاضاءة والمصاحف هذا غير ضيق المساحة
فإستأذن القائد (مرتضى) انه ينوي هدم المسجد واعادة بنائه بصورة تليق ببيت من بيوت الله قال …
فأذنت له بكلمة (مبروك) و قلت له و انا معكم .
لم يكن هناك شريط متر بالمعسكر ولو انتظر الملازم حتى الصباح لعثر عليه بمدينة (واو) او لدى زملائه بسلاح المهندسين ولكنها النفوس عندنا تكون كبارا ستتعب في مرادها الاجسام سيما و إن كان الامر امر مسجد يشتكي الي الله بؤس الحال .
فلم ينتظر الشاب العابد التقى هيثم حتى الصباح فإستعان بحبل
نعم حبل ولا تستعجب …
ليضع قياسات الاساس على الارض و باشر العمل مع جنوده فورا اعمال الحفر
لم يستنكف ان يحمل الكوريك والطورية والعزمة مع جنوده
النقيب مرتضى يقول ….
كنا نتناول افطارنا عادة و إن شئت فقل (عصيدتنا) وعدسنا التاسعة صباحا و لكن عند الشروع في بناء المسجد اصبح يتأخر حتى الثانية عشر ظهرا وكلما قلت للملازم (الفطور برد) يقول (نحتسبو قدام سيادتك)
اكتمل البناء و جمع السقف من عطاء الطبيعة الثر من الاخشاب وجذوع الشجر و القش .
ومازال الملازم مهموما ببيت الله وهاهو قد إكتمل البناء
ولكن ….
المتبقي الكثير في ظل شح امكانيات وموارد و يوم قصير مقسوم بين السلاح والنار والمسجد والراحة !
فذهب هيثم يطرق ابواب منظمة الدعوة الاسلامية ب (واو) يعرض عليها تجارة لن تبور فتم تجهيز المسجد بالفرش واللمبات والمصاحف فاستبشرت اسارير الفتى المغوار .
ثم تغرغ لجنوده فأنشأ معهم ملعبا للكرة الطائرة وملعبا آخرا لكرة القدم واقام الليالي الثقافية والمنافسات الادبية تحت ازيز المدافع وقعقعة الرصاص فاحبه جنوده و زاده منهم قرباً و وداً وإحتراماً .
لم يقف الطموح هنا ولم تتكسر الهمة امام صخرة الامكانيات
هنا بل ما زال للمصحف والمسجد القدح المعلى في حياة الفتى فاقام حلقات التلاوة والتحفيظ للجنود .
بل اقام فصولا لمحو الامية وسط الجنود الغير متعلمين . يقول العميد مرتضي
اشهد الله انني رأيته يدرسهم بنفسه حروف الهجاء !
ويقول كنت عندما اخلو مع نفسي اتأمل ما احدثه الملازم هيثم بالمحطة منذ ان جاءنا
يتنازعني خليط من الاحاسيس
لا ادري معها اابكي ام افرح بهذا الفتح الرباني ! وانا الذي كنت اشكو ثقل الاعباء واتمني ان يأتبني من يساعد فقط فيأتيني من يعلم الجنود القرآن ويمحو الامية! ويقيم الدورات الرياضية والليالي الثقافية ؟ فادركت ان هذا الشاب اكبر من تسعة محطة كمحطتنا (واو/شلك)
ياااا الله !
بل ويضيف …
و لكم ان تتخيلوا ان الملازم هيثم اتى (بالتواريب) وامر الجنود ان يزرعوها ! فبعد ان كان طعامنا فول وعدس اصبحنا نهنأ بالسلطة والخضروات والطماطم والشطة الخضراء ..
لم يكن هذا هو كل هيثم بل كان له جانب آخر من قوة الشخصية والحزم والعقاب الصارم وكان لا يتنازل عن امر اقدم عليه
واذكر
(هكذا يقول العميد مرتضي)
انه اذا اراد ان ينقل فردا ما من موقع لاخر كان يذهب اليه بنفسه بالعربة ويقول له (اركب معاي) ..!
الان
لا مجال عنده لمساحات الاعتذار او الاستبطاء .
ولا تراجع عن تنفيذ اي تعليمات عليا تصدر له لتنفيذها
ويحكي العميد مرتضى قائلا في محطة باليت …
قصة المعتمد وكان من ابناء (دينكا نقوك) قال هذا المعتمد ذات يوم انه زعلان شديد من هيثم !
يقول فقلت له ليه ياسعادتك
هيثم زول كويس
وما مقصر معاكم
بديكم العيش والجاز
و يحضر الدواء للمرضى
و وفر لكم امصال الثعابين والعقارب ونظم ليكم السوق وهيثم ما بخلي زول يشيل حق زول تاني !
هكذا قالها له بلهجة (عربي جوبا)
و المعتمد يشرح سبب الزعل قائلا ..
البارح جينا من الناصر الساعة (اتنين صباحا) وهيثم ما خلانا ندخل !
فقلت له ….
الطريق هو واحدا ويمر بمعسكر الجيش و يمنع المرور به ليلا و انتا ما كلمتنا و هذه تعليمات وانت عارف هيثم ما بتلاعب في الحاجات دي حفاظا على سلامة جنوده وانت عارف الكوارث التى حصلت بسبب التساهل
يقول …
اصطحبت الملازم هيثم غدا وذهبنا تناولنا الافطار مع المعتمد وطيبنا خاطره و تركت لهيثم شرح ملابسات المنع .
عضو مجلس قيادة الثورة العقيد ابراهيم شمس الدين كان على علم بما حدث من الملازم هيثم زار المعسكر بصحبة قائد المنطقة اللواء امير قاسم
و العقيد شمس الدين ….
وهو يتلقى التحية العسكرية يشد علي يد الملازم هيثم ويقول
مبروك . … سمعنا الحكاية …. انت ضابط شجاع وسأنقل موقفك للقائد العام .. مبروك
كان المتمرد آنذاك (لام اكول) والتمرد فى اوج قوته يحشد قواته من الشلك يريدون السيطرة على اعالي النيل وحكم ملكال دون غيرهم من القبائل الاخرى .
نور العقيد مرتضى الملازم هيثم بالمعلومة فلم يزد الملازم غير جملة قائلا …
(خنادقنا مقابرنا)
هكذا رواها العميد الركن (م) مرتضى عثمان
وتم ورفع حالة الاستعداد وتصدوا لهجمات المتمردين التى بدأت الثالثة صباحا واجبروهم على الانسحاب مع بزوغ فجر اليوم التالي .
كان الملازم هيثم دائما ما يعلق على مثل هذه الهجمات التى اعتاد المتمردون شنها عند حلول الظلام ب
(الليلة الحفلة صباحي) ولم يكن يفارقني الخندق كتفا بكتف ودانة بدانة .
وسنواصل بإذن الله